عبده مشتاق !!!
رحم الله الراحلين الرائعين غير المتكررين أحمد رجب ومصطفى حسين فقد أبدعا وابتكرا لنا شخصية عبده مشتاق التي تعيش بيننا، وتشكل نموذجا حيا يعيش معنا في كل لحظة وكل ساعة.
تذكرت شخصية عبده مشتاق وأنا أتابع بعض المرشحين لمجلس النواب القادم ومدى الاستماتة لدخول المجلس ولو على جثث الآخرين.. فالمهم هو دخول المجلس بأي شكل وأي ثمن.
البعض يفرض نفسه على الناس بشكل لزج يجعل الآخرين يكرهون الفترة التي تتم فيها الانتخابات أصلا، بل ويدعو الله أن تنتهي هذه المرحلة حتى يستريح من "رزالة".. بعض المرشحين الذين يعتقدون أن الطريق إلى البرلمان لن يتم إلا بالخدمات العامة والخاصة للناس، ولايدرك أن النائب المطلوب للبرلمان هو نائب تشريع ورقابة وليس نائب خدمات.
المصيبة الكبرى التي تعيشها مصر في برلمانها ومرشحيها، هو أن البعض يعمل في إطار رصف طريق أو حل مشكلة صرف صحي أو أي مشكلة جماهيرية.. ولا يدرك أن نائب البرلمان هو في الأصل مهمته الرئيسية التشريع والرقابة.. تشريع وسن القوانين التي تحدد هوية وشكل الدولة والتي تخدم الضعيف قبل القوي الفقير قبل الغني.. ومن جانب آخر يأتي الدور الرقابي لنائب البرلمان، وهو لايقل خطورة عن الدور التشريعي بالرقابة على كل مسؤول وعلى كل جهة ووزارة وكل وزير أو مسؤول لايراعي الله في آداء واجباته المنوط به تنفيذها.. أما ما يروج له البعض ويعملون عليه بجد واجتهاد و"رزالة" تكاد تخنق المصريين جميعا هو الاعتقاد السائد بأن عضو البرلمان هو نائب خدمات وليس نائب تشريع ورقابة.
ومن العيب الذي يصل لحد الفضيحة أن يكون المرشح يجيد القراءة والكتابة.. ففي الوقت الذي نطالب فيه بتطوير وتحديث أجهزة الدولة يكون من شروط الترشح للبرلمان أن يجيد المرشح القراءة والكتابة.. وبالطبع في ظل هذا الشرط العبثي يخرج علينا الحاصل على دبلوم الصنايع والإعدادية وساقط الابتدائية ليصبح فجاة نائبا في البرلمان يمثل الشعب ويطالب بحقوقه ويدافع عنه.. مع احترامي الكامل لكل مواطن مصري مهما كان ومهما كان مؤهله.
ولا أنكر أن هناك نوابا سابقين لم يكونوا من الحاصلين على المؤهلات العليا أو الدكتوراه، وكان لهم بصمات لاتنسى في المجالس السابقة ولكنها ليست قاعدة ليتم تعميميها على الدوام.. وإلا فكيف يمكن لنائب يادوب بيفك الخط.. أن يناقش قوانين الاقتصاد والسياسة الخارجية والأمن وكيف له أن يناقش اتفاقية دولية ويكون له رأي فيها سواء بالقبول أو بالرفض.. وكيف له أن يقرر قانونا ما يرسخ به أوضاعا قانونية لسنوات وسنوات على الجميع أن يدرك تماما أن البرلمان ليس للخدمات الشخصية أو أن يكون طريقه في الدعاية هو عمل خدمات أو رصف طرق أو تسليك بالوعة صرف صحي فهذه الأمور مكانها المجالس المحلية وليس مجلس النواب.
المجالس المحلية التي أصبحت في وضع لايقل أهمية وخطورة عن مجلس النواب.. وعلى من يرى في نفسه القدرة على تقديم الخدمات في الشارع أن يتوجه بخدماته للترشح في المجالس المحلية وليس في مجلس النواب الذي يتولى مسؤولية خطيرة قد لايفهمها أو يدركها السيد النائب البصمجي الذي يخدع الناس بسعيه لرصف الشوارع وتسليك البالوعات.
أما عبده مشتاق الذي سيموت لو لم تخط قدماه على أرضية البرلمان، فعليه أن يبحث لنفسه عن طريق آخر يظهر فيه ويستعرض قدراته في خدمة المواطنين في المجال الذي يفهم فيه ويجيده تماما.. فمجلس النواب القادم هو الأخطر في تاريخ البرلمان المصري.. وهو البرلمان الذي تنتظره مهام جسيمة وخطيرة.. ولن يكون مجلسا لخدمات خاصة ولا رصف طرق ولا تسليك بالوعات.
البرلمان القادم ينتظره أكثر من 200 قانون صدروا في سنوات غابت فيها الدولة بشكلها التشريعي لعدم وجود مجلس تشريعي .. هذه القوانين يجب مناقشتها والموافقة عليها أو إعادة تشريعها من جديد في خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ بداية البرلمان القادم.
البرلمان القادم تنتظره تشريعات جديدة اقتصادية تحدد شكل نظام الدولة في السنوات القادمة، بعد أن كان الدستور يحدد نظام الدولة الاقتصادي بأنه نظام اشتراكي وظل هذا الوضع لسنوات طويلة تغيرت فيها سياسة الدولة لتتحول لاقتصاد السوق في الوقت الذي يقول فيه الدستور بأننا دولة اشتراكية.
الآن تغيرت الأوضاع ومصر على أعتاب مرحلة جديدة يتم فيها تنفيذ مشروعات استثمارية بمليارات الدولارات في تنفيذ العاصمة الجديدة ومشروعات قناة السويس الجديدة ومشروعات الطاقة والكهرباء والصناعات .. ألا يحتاج كل هذا إلى نائب يضع تشريعات تلائم المرحلة التي نحن مقبلون عليها أم نكتفي بانتخاب نائب الخدمات الذي كان سببا مباشرا في خراب مصر لسنوات طويلة لأنه كان يختفي بعد نجاحه ولا يراه الناخب إلا في الانتخابات التالية.. حتى المواطن نفسه لم يكن لديه الوعي المطلوب حتى يبحث عن هذا النائب ولو تحدث عنه فيقتصر كلامه عن عدم قيام النائب بتقديم خدماته السابقة.
الوعي الجماهيري هو الأهم في هذه المرحلة وعلى الجميع أن يدرك أن نائب الشعب هو نائب تشريعات ورقابة على الدولة وأجهزتها وليبحث عن نائب خدمات في المحليات وليس في البرلمان.. يارب نفهم ونضع عبده مشتاق في حجمه الحقيقي ومكانه الطبيعي.. وأن ندقق في اختيار نائب الشعب الممثل الحقيقي لبرلمان مصر القادم.. وأن نمنع عبده مشتاق من التفكير مجرد التفكير من دخول البرلمان القادم.. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد!