هل تعترف مصر بالإبادة الجماعية للأرمن؟
بعد أيام ستمر علينا الذكرى المئوية الأولى لمذابح الأرمن، التي يتم إحياء ذكراها في 24 أبريل من كل عام، ففي ذلك اليوم من عام 1915 كانت بداية مأساة الأرمن الكبرى، التي نتج عنها مقتل أعداد لا تقل عن نصف مليون ضحية من الأرمن على الأقل.
وبرغم أن هذه المذابح لم تكن الأولى وسبقتها مذابح أخرى، منها المذابح التي تمت في تسعينيات القرن التاسع عشر والتي أطلق عليها المذابح الحميدية، ومنها مذبحة "أضنة" عام 1909، إلا أن الأمر أخذ هذه المرة أبعادًا شديدة التنظيم تهدف إلى التطهير العرقي ضد الأرمن وإبادتهم، وترحيل من تبقى منهم في مسيرات طويلة قضوا حتفهم فيها من الجوع والعطش ومن اعتداءات السكان المحليين أحيانًا، بالإضافة إلى القوات النظامية.
كانت هذه المذابح هي واحدة من أبشع جرائم التطهير العرقي في القرن العشرين، وتم تنفيذها على نطاق واسع وبدم بارد من قِبل الجنود الأتراك.
على مدى المائة عام الماضية سعى الأرمن حول العالم لضمان الاعتراف بقضيتهم، ولكن كانت مشكلتهم الأساسيىة ربما في أن دولتهم القومية لم تكن قد نالت استقلالها بعد، فقد كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي منذ العشرينيات؛ لهذا فلم تكن حركة الاعتراف بهذه الجريمة نشطة، إلا أنها زادت بشكل كبير في الربع قرن الأخير.
قائمة الدول التي اعترفت بالمذابح تضم دولاً مختلفة في الأمريكتين وأوروبا، من أبرزها فرنسا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا وبلجيكا وكندا والأرجنتين وتشيلي وأوروجواي وروسيا، فضلا عن اليونان وقبرص بالطبع، ويبقى البلد الوحيد في المنطقة الذي اعترف بها هو لبنان.
هذا العام سيتم تنظيم فعاليات إحياء هذه الذكرى على مستوى كبير في العاصمة الأرمنية "يريفان"، وسيحييها الأرمن في مختلف دول العالم، كما تم الاتفاق على أن تقرع الكنائس الأرمنية أجراسها مائة مرة في تمام الساعة السابعة والربع مساء؛ لتكون تعبيرا عن الذكرى المئوية وعن العام 1915 من خلال رمزية التوقيت 19:15 .
وأطلقت المطربة الأرمنية ماريا نالبانديان أغنية في ذكري المذبحة باسم وطني الأم أو Azks Hayoc.
يأتي هذا في وقت من المتوقع أن تتصاعد فيه الانتقادات ضد تركيا طيلة العام ، فكلمات البابا فرنسيسوالتي وصف فيها المذابح بأنها إبادة جماعية أغضبت تركيا، التي بدورها احتجت وقامت باستدعاء سفيرها في الفاتيكان للتشاور، في الوقت نفسه الذي تدعو فيه جماعات ضغط الرئيس الأمريكي أوباما للاعتراف بالإبادة الجماعية، بينما يتظاهر آخرون في بيروت أمام السفارة الألمانية، مطالبين ألمانيا بتجريم عدم الاعتراف بالمذبحة، بينما لم تمر أيام على تجريم البرلمان القبرصي عدم الاعتراف بالمذبحة.
مصر كانت أحد الدول التي شهدت وعاصرات المذابح، والتي فر إليها آلاف الأرمن هاربين ومحتمين بها من القتل، هؤلاء الأرمن الذين استوطنوا في القاهرة وفي الاسكندرية وفي مدن أخرى، والذين أصبحوا جزءا من المجتمع المصري، يحق لهم أن يشعروا بتقدير مصر لمعاناتهم، بالإضافة للعلاقة التاريخية التي جمعت بين المصريين والأرمن، خصوصا عندما نتذكر أن كثيرا من رجال الدولة المصرية- بالذات في طور التأسيس- كانوا من الأرمن وأبرزهم نوبار باشا.
وبالتالي فإن السؤال هو لماذا لا تكون مصر أول الدول ذات الغالبية السكانية المسلمة التي تعترف بالمذبحة؟ لماذا نشترك في التجاهل؟ ولماذا لا نكسر التجاهل للمذبحة في الدول الإسلامية الناتج عن عدم الرغبة في إثارة غضب تركيا؟
إن الاعتراف بما جرى هو تقدير للإنسان قبل أي شيء، كما أنه ليس تصرفا موجها ضد الشعب التركي، ولكنّه حث للحكومة التركية على تحمل المسؤولية التاريخية من جهة، وتوسيع لدائرة الأصدقاء من جهة ثانية، وتأكيد على فكرة أن العداء السياسي له ثمن يتجاوز إلغاء اتفاقية الرورو والتي ينتهي العمل بها –للمصادفة- في الثالث والعشرين من أبريل الجاري أي عشية إحياء ذكرى المذبحة. وبخلاف هذا كله فهو رسالة موجهة لجماعات ضغط بعينها ان االمعركة ضد الإرهاب واضطهاد الأقليات ستأخذ أشكالا أكثر جدية وأن هذا التوجه ثابت لدي مصر وليس مؤقتا.
فهل تتخذ مصر هذا القرار ؟ أم أن التردد سيظل سيد الموقف ؟
للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك