"داعش والقاعدة".. أنجبهما الاحتلال وفرقتهما "الإمارة"
رغم أن المرجعية الفكرية شبه واحدة، أصول تعود إلى القرن السابع الهجري، لـ"ابن تيمية"، وجذور أخرى تضرب في القرن الثاني عشر، تعود إلى محمد ابن عبد الوهاب، لكن الأصول المشتركة لم تجعل التشابه بينهما يستمر كثيرا.
من رحم الاحتلال
خرج التنظيمان "القاعدة" و"داعش" من رحم احتلال أجنبي لبلادهم، فتنظيم القاعدة نشأ في الثمانينيات بهدف تحرير أفغانستان من الاحتلال الروسي، وكان القيادي الجهادي عبدالله عزام يعمل على إحياء "الجهاد"، وجعل أفغانستان "قاعدة للجهاد"، كما تطور فكره لتغيير الأنظمة العربية لتوافق الشريعة الإسلامية.
عكس القاعدة، فإن داعش ظهر على مراحل، فالمرحلة الأولى كانت بعد سقوط العراق على يد أمريكا في عام 2003، فأسس وقتها أبو مصعب الزرقاوي جماعة "التوحيد والجهاد"، ثم في 2006 أعلن عنها باسم "مجلس شورى المجاهدين"، وبعده تولى أبو حمزة المهاجر الذي عمل على تجميع كل تنظيمات الجهاد في العراق تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق" تحت زعامة أبي عمر البغدادي.
في 2010 تولى إبراهيم عواد البدري الملقب بأبي بكر البغدادي تنظيم الدولة، لكن بعد الثورة السورية اندمجت عدد من التنظيمات في العراق وسوريا تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وأصبح البغدادي خليفة عليهم في عام 2013.
الخلاف مع الخلافة
عندما أعلن البغدادي خلافته المزعومة، بدأ الخلاف معها، فوقتها أعلن أيمن الظواهري رغبته في التعاون مع الجماعات الإسلامية، لكن داعش رفض ذلك لعدم استعداده للتعاون مع أي تنظيم آخر، ومن وقتها بدأ الخلاف يظهر حينا ويختفي أحيانا.
رفض الوصاية
بعد أن ظهر داعش، اعتبره القاعدة ولده الجديد كسائر التنظيمات في المنطقة، وبدأ في إرسال عدد من التعليمات إلى داعش، فما كان من داعش إلا أن رد "عذرا يا أمير الجهاد".
فهاجم المتحدث باسم تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام “داعش” أبو محمد العدناني، زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري موجها له انتقادات لاذعة في مايو 2014.
وقال العدناني في بيان له حمل عنوان "عذرا أمير القاعدة": "عذرا أمير القاعدة.. الدولة ليست فرعا تابعا للقاعدة ولم تكن يوما كذلك، بل لو قدر لكم الله أن تطأ قدمكم أرض الدولة الإسلامية لما وسعكم إلا أن تبايعوها وتكونوا جنودا لأميرها القرشي حفيد الحسين كما أنتم اليوم جنود تحت سلطات الملا عمر".
واستطرد المتحدث باسم "داعش" مخاطبا الظواهري، “وضعت نفسك وقاعدتك اليوم أمام خيارين لا مناص منهما، إما أن تستمر على خطأك وتكابر عليه وتعاند ويستمر الاقتتال بين المجاهدين في العالم، وإما أن تعترف بخطأك وزلاتك وتصحح وتستدرك”.
الملا عمر
وبعد سنة ردت حركة طالبان بأن نشرت الحركة لأول مرة منذ 20 عاما، سيرة الملا عمر، وقالت بعض المنتديات الجهادية إن نشر السيرة لزعيم طالبان في هذا التوقيت، يأتي بسبب امتداد الدولة الإسلامية "داعش" إلى خراسان.
وجاءت السيرة الذاتية، التي نشرتها حركة طالبان، التابعة لتنظيم القاعدة بأفغاستان، قبل ما يقرب من عقدين من الزمن في هذا التاريخ، أيّد ألف وخمسمائة من العلماء وقادة الجهاد، الملا محمد عمر المجاهد بصفة زعيم إمارة أفغانستان الإسلامية، وبايعوه أميرا، وأهدوه لقب أميرالمؤمنين.
تحريم الانضمام لداعش
فى أكتوبر الماضي أصدرت اللجنة الشرعية بمنبر الجهاد والتوحيد، التابع لتنظيم القاعدة، فتوى بعدم جواز الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، متهمة إياه بـ«الغلو وتكفير المسلمين دون وقوع الحجة»، كما أكدت في الوقت نفسه تحريم قتاله أو مساندة التكتل «العربي- الغربي» في حربه ضد «داعش».
الدم بيحن
رغم إفتاء اللجنة الشرعية بمنبر التوحيد والجهاد التابع لتنظيم القاعدة بعدم جواز الانضمام إلى "داعش"، إلا أن إخوة "الإرهاب" بين التنظيمين، لم تمنع الشقيق الأكبر، "تنظيم القاعدة"، من توجيه نصائحه المتتالية إلى "داعش"، حتى لا يتم التنكيل به والقضاء عليه.
فلم يمنع شنآن أو حقد "جماعة الدولة"، كما يسميها القاعدة من إعطاء النصح لحفظ أعراض تنظيم "داعش" فى فبراير الماضي، فأعلن عضو اللجنة الشرعية بتنظيم داعش أبو العز النجدي أن "نساءهم وبناتهم أخوات لنا نغار على أعراضهن ونتأذى لأي أذى يصيبهن، ولا يعرف إسلامه حق المعرفة من لم يهتم بأمر المسلمين".
وأخذت القاعدة في نصيحة داعش، فقال أبو العز النجدي إنه "معلوم أن جنود الدولة ارتكبوا من أعمال السبي لليزيديات ونحوهن ما سيعرض حرائر المسلمات في الموصل للانتقام لو وقعن في أيدي اليزيديين أو في أيدي الروافض أو الأكراد أو غيرهم من المرتدين".
الهجوم والمعايرة
بعد حادثة حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، انقلبت القاعدة على داعش بصورة كبيرة، وخطأتهم في هذه الجريمة، فقام داع بمهاجمة رموز القاعدة، ومنهم أبو محمد المقدسي، فما كان من القاعدة، إلا أن جهز رسالة أسماها "ولا يوم الطين"، وكانت أقوى رسالة بين التنظيمين، وجهها القيادي بالقاعدة، عبدالله بن أحمد البن الحسيني، إلى القيادي بتنظيم داعش، أبي خزيمة المضري.
بدأ الحسيني رسالته إلى المضري، الأسبوع الماضي، بقوله: "للأسف وجدت أن أكثر أنصار الدولة لا تجذبهم المقالات بقدر ما تجذبهم وتجلبهم الإصدارات المزخرفة بالفقاعات المبهرجة، أعني الأناشيد والإيقاعات التفجيرية"، مضيفا: "لا غرو في ذلك فمن تربى على تقديس بروسلي مع وثنيته، وتعظيم رامبو مع نصرانيته، سيجذبه لون الدماء الذي يفوح من إصدارات المسالخ التي كانت وليدة سفاح ثقافة البوب و(سبيس تون)، وجاكي شان، مع ثقافة ردهات مخابرات صدام حسين، فأنتجت هذا الوليد المسخ الذي سمي زورا وبهتانا وترويجا وخداعا بالدولة الإسلامية وهي منه براء".
واستكمل الحسيني هجومه على داعش، بقوله: "لا يشك عاقل أن الأمة غُزيت ثقافيا قبل أن تُغزى عسكريا، وأن الاحتلال الثقافي ثمرة للاحتلال العسكري، والذي رحلت مظاهره من بلدان العربان بعد أن جذر ثقافته المتشظية التي تخرج شطأها النكد كل حين"، واصفا ثقافة داعش بأنها: "ثقافة ملونة زئبقية مُشكّلة قابلة للطرق والسحب".