ديمقراطية طائرات الأباتشي
تقوم فكرة ترويض الفيل على فكرة بسيطة جدًا، وهي عندما يكون الفيل صغيرًا تُربط أحد قدميه في جذع شجرة، ومهما حاول الفيل أن يهرب من الرِباط لا يستطيع أن يفلت منه لصِغر سنه، لكن عندما يكبر الفيل ويصبح في قوة عنفوانه يتم ربطه بنفس الرباط، إلا أن الفيل لا يحاول أصلا أن يفلت من جذع الشجرة لترسُّخ فكرة أن الرباط والجذع الصغير أقوى منه منذ لم يستطع الإفلات منه، رغم أن قوته تستطيع أن تخلع الشجرة من مكانها.
كنتُ أتابع منذ رحيل المخلوع محمد مرسي مسألة طائرات الأباتشي، التي كانت جزءا من المنحة العسكرية الأمريكية إلى مصر، والتي أرسلتها وزارة الدفاع إلى أمريكا بغرض الصيانة إلى الولايات المتحدة، وهو أمر روتيني واعتيادي، إلا أن رحيل محمد مرسي وصعود مؤسسة الجيش إلى السلطة، ولّد بعض المخاوف لدى الولايات المتحدة لعدم وضوح الرؤية في حينها.
وعلى هذا الأساس ماطلت الولايات المتحدة في تسليم طائرات الأباتشي إلى مصر مرة تحت مسمى حقوق الإنسان، وأخرى تحت مسمى الديمقراطية، وثالثة تحت مسمى المصالحة الوطنية، بعيدا عن كل هذه المسميات والتي في وجهة نظري لا تعني شيئا في لعبة السياسة، حيث إن الولايات المتحدة تجيد استخدام كل ما تملك في الملفات الدبلوماسية، بل وتسخيرها جميعًا لخدمة الوطن، وهو أمر لا ألومها عليه لأنها دولة عظمى في نهاية الأمر وتبحث عن مصالحها.
توقيت تسليم طائرات الأباتشي إلى مصر، والذي جاء الإعلان عنه من أرفع ممثل للدولة الأمريكية وهو الرئيس الأمريكي أوباما، لم يأت لأن الديمقراطية بالمعايير الأمريكية تحسّنت، أو أن حقوق الإنسان أصبحت في قمتها، ومصر سعيدة والشعب راض وهكذا، لكنّها جاءت كنتيجة طبيعية وسريعة لما يحدث في اليمن، ومشاركة مصر بقوات عسكرية في الحرب على الحوثيين.
صفقة تسليم طائرات الأباتشي إلى مصر، جاءت بصفقة سياسية عسكرية رفيعة المستوى بين مصر وأمريكا، والفكرة باختصار أن الحرب على الحوثيين في اليمن كانت لا بد أن تكون سريعة وخاطفة وبأيدي عربية خالصة، وبأدوات عسكرية أمريكية خالصة، وبتمويل بترولي خليجي.
لماذا باركت أمريكا الحرب على الحوثيين باليمن؟ ولماذا وجهت أمريكا أقمارها الاصطناعية لخدمة العملية العسكرية، ولماذا كل هذا التدقيق في شكل وإخراج العملية العسكرية، ومتى وكيف تشكّل هذا الحزب وانطلق لمحاربة الحوثيين في اليمن في خِلسة من الليل، ولماذا اجتمعت مصر وقطر والسعودية في عملية واحدة وبأهداف واحدة.
الفكرة بسيطة وهو أن المد الروسي الإيراني على المنطقة اقترب من المنطقة الخطرة، حيث إن الدرس الأمريكي في سوريا، والذي أوصل الأمر إلى ما هو عليه الآن في سوريا، حيث التواجد الروسي العسكري القوي، وانتشار وزحف الجماعات الإرهابية وصل إلى الحد الذي أصبح يهدد الرأسمالية الأمريكية في معقل من معاقلها المهمة وهي منطقة الخليج العربي.
وفكرة أن أمريكا تقدم الدعم التقني في الحرب يعني أن توجيه الضربات نابع من تصور أمريكي خالص في إدارة الحرب، وفكرة أن مقر قيادة القوات العربية المشتركة يقع في مصر، يعني أن هناك تنسيقا أمريكيا مصريا مباشرا، ويدلل أيضا على أن مصر سيكون لها دور كبير في المستقبل بالمنطقة.
كما أن هذا التواؤُم المصري الأمريكي الأخير، كان استدراكا من الولايات المتحدة الأمريكية لموقفها تجاه مصر، وخصوصًا بعد زيارة بوتين للقاهرة، وهي الزيارة التي كانت حديث وكالات الأنباء العالمية، إنه صراع قوى عالمي.