لماذا تعارض روسيا التدخل العسكري العربي في اليمن؟
هل تؤثر "عاصفة الحزم" على العلاقات المصرية الروسية؟
هل تتحول الأزمة اليمنية إلى بداية لحرب باردة جديدة بين موسكو وواشنطن؟
قلق شديد انتاب روسيا منذ اللحظة الأولى لانطلاق عاصفة الحزم من العمليات العسكرية للتحالف العشري بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن، وهو ما اتضح من خلال الموقف الرسمي الروسي الذي تحفظ على العمليات بعد ساعات من انطلاقها ودعوة موسكو للبحث عن حل سياسي في اليمن وعودة الفرقاء السياسيين إلى طاولة المفاوضات، فضلا عن رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ، والتي دعا فيها لضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها وسط أنباء عن تحرك قطع بحرية روسية فور بدء العمليات للمشاركة ضمن القوات الدولية في تأمين باب المندب، ليصبح السؤال: لماذا تعارض روسيا التدخل العربي في اليمن وما الذي يقلقها في ذلك؟ وماذا سيكون الموقف الروسي إذا تطورت العمليات إلى إنزال بري؟.
يحكم الموقف الروسي من التدخل العربي في اليمن عدة محددات رئيسية، أولها التخوف من أن تسهم عاصفة الحزم في تغيير موازين القوى بالمنطقة عبر إضعاف حلفائها لصالح حلفاء أمريكا المتمثلين في دول الخليج، وهو ما سيستتبعه بالضرورة تغييرات جذرية في عدة ملفات أهمها الملف السوري التي تدعمه موسكو بكل قوة. وبالتالي فإن اتساع نطاق العمليات العسكرية وتحولها إلى حرب إقليمية قد تمتد إلى سوريا، سيضع روسيا في مواجهة غير مباشرة مع دول الخليج، ما سيضر حتما بمصالحها الهامة في المنطقة.
ثانيا: تحاول روسيا دائما العمل على تثبيت أقدامها في منطقة الشرق الأوسط، وخلق علاقات قوية مع دول المنطقة من أجل حماية مصالحها وعلاقاتها التجارية وفتح أسواق جديدة لصادراتها، خصوصا في ظل توتر العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، بسبب أزمة أوكرانيا الأخيرة وتعارض المواقف حول العديد من القضايا، وتكرار فرض العقوبات من الاتحاد الأوروبي على الصادرات الروسية خصوصا الغاز الروسي، وبالتالي فإن عدم استقرار الشرق الأوسط يفقد موسكو شريكا تجاريا مهما.
ثالثا: نجاح التحالف العشري المدعوم أمريكيا في اليمن يعزز من الوجود الأمريكي في المنطقة، (الغريم التقليدي لروسيا) وهو ما يعني أن المنطقة مرشحة لأن تكون ساحة لحرب باردة جديدة بين موسكو وواشنطن، الأمر الذي يدفع روسيا باستمرار لتعزيز تواجدها وعلاقاتها مع الدول العربية بعيدا عن الهيمنة الأمريكية. حيث ترى روسيا أن المستفيد الأول من عدم الاستقرار فى المنطقة هو الولايات المتحدة، التي تسعى إلى إحكام قبضتها على المنطقة ووضع حد للشراكة العربية المتنامية مع القوى الآسيوية، وفى مقدمتها روسيا، وذلك من خلال إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط جغرافياً وسياسياً، وإضعاف القوى الإقليمية المهمة العربية وغير العربية الكبرى.
رابعا: التخوف من تحول الصراع إلى سني – شيعي، فبحسب الرؤية الروسية فإن نجاح عاصفة الحزم في هزيمة الحوثيين سيجعل الكفة تميل لصالح التنظيمات السنية المتطرفة مثل القاعدة في اليمن وداعش في سوريا وجماعة الإخوان، التي أعلنت دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية، لا سيما وأن روسيا لديها تجربة سيئة مع التنظيمات الجهادية في الشيشان والبوسنة والهرسك، التي كثيرا ما أثارت والاضطرابات والقلاقل في روسيا.
خامسا: نجاح التحالف العربي في اليمن قد يؤدي إلى تكرار العمليات العسكرية الجوية والبرية في دول أخرى مثل سوريا وليبيا، وهو ما تعارضه روسيا بشدة والتي تفضل دائما اللجوء إلى الحلول السياسية بعيدا عن العمليات العسكرية التي عادة لا تتم إلا بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية.
القلق الروسي من استمرار العمليات العسكرية في اليمن أوضحته دعوة موسكو إلى هدنة من خلال مجلس الأمن الدولي بهدف مناقشة مسألة إلزام تحالف "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية بتطبيق "وقفات إنسانية" خلال غاراته على اليمن، بحجة تقديم الغوث الإنساني لضحايا الهجمات وإجلاء الأجانب، وهو ما يشير إلى رغبة روسيا في منح الطرف الآخر (الحوثيين) فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب صفوفهم حتى لا ينتصر التحالف العشري من الجولة الأولى، وبالتالي يكون هناك متسعا من الوقت للعودة إلى طاولة المفاوضات.
الموقف الروسى الرافض لعاصفة الحزم ينبع من القلق الشديد إزاء التداعيات المحتملة للعملية، وإمكانية خروجها عن نطاق السيطرة، وأن تكون النجاحات الأولى للضربات العربية مجرد تقدم مؤقت يعقبه صراع إقليمي ممتد تتورط فيه أطراف أخرى على نحو مباشر، أو غير مباشر، ليتحول الصراع إلى حرب إقليمية تهدد المصالح الروسية وتضعها أمام خيارات صعبة.
في ضوء ما تقدم، يبقى السؤال: ما هو الموقف الروسي حال تطور العمليات إلى تدخل بري؟ وما أثر ذلك على العلاقات المصرية الروسية تحديدا خصوصا بعد انتعاشها بوصول الرئيس السيسي للسلطة في يونيه 2014؟.
من خلال استقراء السلوك الروسي، يمكن القول إن روسيا ستعمل جاهدة لعرقلة أي تدخل بري في اليمن، إما عن طريق استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي باعتبارها عضوا دائما، لوقف العمليات العسكرية ومن ثم الدعوة إلى حوار سياسي شامل برعاية الأمم المتحدة، أو عن طريق الضغط بالأوراق التي تمتلكها موسكو في المنطقة لإثناء حلفائها عن المشاركة في العمليات البرية.
وعن العلاقات المصرية الروسية، لا يبدو الخلاف في الرؤية بين القاهرة وموسكو تجاه اليمن ذي شأن على العلاقات بين البلدين، لا سيما في ظل التوجه نحو تأسيس علاقات استراتيجية بتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم خلال زيارة الرئيس بوتين الأخيرة، والحديث حول زيارته للقاهرة مرة أخرى خلال الفترة المقبلة لتوقيع عدد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية والتنسيق حول عدد من القضايا والملفات الأمنية الإقليمية، وهو ما يشير إلى عدم استعداد روسيا للتخلي عن مصر بسبب اختلاف وجهات النظر حول أزمة اليمن.