التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:36 م , بتوقيت القاهرة

قم للمعلم واضربه!

أثناء خروجي من باب شقتي بالعمارة التي أقطن بها.. رأيت جاري الأستاذ "عبد الحق أبو الخير" المدرس بمدرسة "التنوير" الثانوية.. يتجه إلى باب شقته حاملاً بضعة أرغفة ولفافات من سندوتشات الفول والطعمية والبطاطس. 

فبادرته: 
- صباح الخير يا أستاذ "عبد الحق".. هل أنت في إجازة اليوم؟!

قال في تبرم وتعبير بالسخط يسيطر على ملامح وجهه: 
- لا.. ولكني اتفقت ومجموعة من المدرسين والمدرسات يبلغ عددهم (115) مدرسًا وإداريًا على الامتناع عن الذهاب إلى المدرسة، وعدم العودة لحين البت في طلبنا.

- وما هو هذا الطلب؟! 

- النقل الجماعي اعتراضًا على وصايا الوزير الأخيرة.  

- أي وصايا؟! 

- منع الضرب للطلبة في المدرسة.

هتفت في دهشة 
وهل أنت من مؤيدي ضرب الطلبة؟!

بالعكس.. إني أرفض تمامًا ذلك.. وأرى أن المدرس الذي يضرب التلميذ يعتبر داعشيًا ويستحق فصله من عمله.. ولكني أطلب المساواة.

المساواة مع من ؟! 
المساواة في العقاب.. لماذا اكتفى الوزير بأن يوصينا بالطلاب ولم يوصهم بنا؟!.. كل يوم بننضرب أمام باقي الطلاب والمدرسين ونتعرض لإهانات يومية من الطلبة المشاغبين دون تدخل من الإدارة التعليمية.

ثم أردف مؤكدًا: 
أنا والحمد لله حتى الآن متزن نفسيًا.. ولكن من يضمن لي ألا يصيبني ما أصاب الأستاذ الزميل "مهاب الوحش" مدرس الفيزياء؟! 

ما الذي أصابه الأستاذ "الوحش" ؟!

ضربه تلميذ بالفصل ضربًا مبرحًا تسبب في كسر ذراعه وارتجاج في المخ.. فلما اشتكاه للمدير.

هتفت مقاطعاً مستنتجًا:
لم يفعل شيئًا.. أليس كذلك ؟!

قال في سخرية : 
أعلن استنكاره الشديد.. واستدعى في الحال أستاذ اللغة العربية والخط بالمدرسة.. وطلب منه أن يكتب لافتة كبيرة يضعها على باب المدرسة تحمل عبارة استياء وتهكم واستغاثة هي: أغيثونا.. شعار طلبة (2015) هو قف للمعلم واضربه.. وليس قم للمعلم وفه التبجيلا.

ثم يردد مستدركًا: 
أما الأستاذ "مهاب" فقد أصيب بلوثة عقلية.. وهو الآن يقف في إشارة مرور بميدان "العباسية".. يحمل علم "أمريكا" ويضع على صدره نياشين من أغطية زجاجات المياه الغازية.. ويقوم بتنظيم المرور.

قلت مستدرجًا:
واضح أن الطالب الذي ضرب الأستاذ "مهاب" تأثر بالمناهج المدرسية التي تحض على العنف.

قال في غضب وانفعال: 
إذا كنت تقصد درس "الطيور في خطر" الذي جاء فيه أن الطيور قامت بإغلاق الخيام وأشعلت النيران في الصقور حسب الخطة.. وبعد اكتمال الخطة أنشدت العصافير.. بلادي.. بلادي.. فهذا الدرس يُدرّس في منهج اللغة العربية للصف الثالث الابتدائي.. والطالب الذي ضرب الأستاذ "مهاب" في الثانوية العامة.. ثم إن هذا الدرس سوف يتم حذفه من المنهج. وقصيدة "عمرو بن كلثوم" التي اعترف فيها بقتل ملك الحيرة بسيفه لأن أمه أهانت أم الشاعر؟!

السيدة الدكتورة "ثناء جمعة" مدير مركز تطوير المناهج صرحت في الصحف أنه تم اتخاذ قرار بحذف جميع الدروس التي تحض على العنف.

صحت مؤكدًا في انفعال: 
يا أستاذ "عبد الحق" ليس بحذف الدروس غير المناسبة يتم تطوير المناهج.. المركز الذي ترأسه السيدة "ثناء" اسمه مركز تطوير المناهج.. وليس مركز حذف دروس من المناهج.

لقد فهمت من حديثها أن خطتها قائمة على الابتعاد عن أي دروس قابلة للتأويل لتغلق كافة الفرص أمام حدوث حالة من الجدل.

صحت في سخط: 
إن هذا يزيد الطين بلة.. من قال إن الجدل شيء ذميم ينبغي التخلص منه.. إن ما تقوله مديرة مركز التطوير هذا يكرس لنكبة التعليم في مصر القائم على التلقين والحفظ وترديد ما تم حفظه كالببغاوات دون اجتهاد في الاستنتاج والاستنباط والاستقراء والبحث والمناقشة.. وتبادل وجهات النظر والحوار حول القضايا المثارة.. وهذا معناه الجمود وعدم إعمال العقل.. والاستسلام للمسلمات وقوالب التعبير المتحجرة مما يؤدي في النهاية إلى إلغاء الرأي والرأي الآخر.. وتدمير حرية التعبير والقضاء على أي تطوير وشيوع الاستبداد والإرهاب .