وهل يضربها؟
مبدئيا هناك فرق بين القاعدة، كنص مجرد، وبين إمكانية تطبيق القاعدة، أو الشروط التي يجب أن تتوافر لذلك. ولو تخلفت الشروط انتفى التطبيق.
بداية الأمر أن المهاجرين كانوا يغلبون نساءهم، بينما الأنصار كانت تغلبهم نساؤهم، وبعد الاختلاط تعلّمت نساء المهاجرين من نساء الأنصار فصرن يتمردن على أزواجهن. فاشتكوا للرسول وطالبوه أن يضربوا نساءهم حتى يتراجعوا عن العناد والكبر. فرفض الرسول.
ومر وقت فنزلت الآية. فما من بيت من بيوت المدينة إلا وكانت به امرأة مضروبة، فقال رسول الله (ص) كلمته الشهيرة "لن يضرب خياركم".
الآية تتحدث عن عدة وسائل لإنهاء الخصومة "عظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن"، لكن الآية الحاكمة والمؤسسة لحل الخلافات هي التي قالت:(إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).
قبل نشوب الشقاق والخلاف وبمجرد استشعار قدوم الغيوم، يكون الحل هو الجلوس للحوار، برقي واحترام ورغبة صادقة في الخير، وبمساواة كاملة، حكما من هنا قبالة حكم من هناك. وقدم الله إرادة الناس في الإصلاح على توفيقه هو.
وبذلك فالأصل هو الجلوس الحكيم للحوار، والقصد هو رغبة الإصلاح وعودة الوصال، وما دون ذلك فوسائل عابرة، لأن عقد الزواج قبل كل شيء عقد رضائي قائم على القبول بين طرفيه، وأسسه القرآن على مبادئ مهمة هي السكينة بين طرفين والمودة والرحمة فيما بينهم. فلو فقد أسباب وجوده بطل العقد.
ولو فشل الحكماء، فعلى الرجل أولا أن يعظ زوجته. والعظة هي الحوار.. فإن لم تستجب فيخاصمها.. فإن لم تستجب فالمرحلة الأخيرة هي البديل للانفصال، وهنا المرأة مخيرة بين الانفصال أو الضرب، فالضرب كان بديلا لانهيار علاقة الزوجية وإنقاذا للبيت من الدمار والفشل، بعد استنفاذ كل الطرق المتاحة دون جدوى.
والإسلام أتى للناس في كل مكان.. وبه قواعد تتسع لكافة الثقافات.. ففيه حديث عن ملكة سبأ. امرأة حكمت الناس. وحديث عن امرأة صالحة مثل زوجة فرعون، وامرأة هالكة مثل زوجة نوح.. كذلك الحال وضع قواعد تصلح للتحضر الانساني مثل اللجوء للحكماء والجلوس للحوار، وقواعد تصلح لمجتمعات أخرى تقبل فيها المرأة اللوم من زوجها أو تتلقى منه ضربا غير مبرح على أن تستمر العلاقة بينهما وينسون الخلاف وتسير سفينة العمر إلى مرساها.
المشكلة في التطرف.. الرجل الهمجي الذي يستخدم الضرب كحق مكتسب في كل خصومة. أو في المرأة التي ترفض الحوار ولا يؤثر فيها الخصام ولا تستجيب لنصح الحكماء.
وبذلك تكون القاعدة هي الحكماء والحوار والهجر.. وهي القاعدة العامة في حل الخلاف.. ولا يجوز تجاوزها طالما كانت المرأة تستجيب لها.. ويكون الاستثناء هو العكس ولا يجوز اللجوء له إلا باستنفاد تلك الطرق.
نحن هنا نتكلم عن حالة استثنائية لا تنطبق على كل النساء أو كل البيوت.. نحن نتكلم عن امرأة متسلطة الرأي متصلبة الدماغ عصية على الفهم، ولا تقبل الحوار والنصح، وتهدد بيتها وأولادها بالخراب والفشل.
وإيذاء ذلك، نقدم مصلحة البيت على مصلحة امرأة وضعت في رأسها حجرا أصم بدلا من عقل واع. ونقدم كرامة الأولاد الصغار على كرامة أمهم التي تفسد حياتهم. نحن هنا أمام تعارض مصلحتين، وهناك مصلحة أولى بالرعاية، وهي مؤسسة الأسرة. ولو كان الحل الحاسم هو الحل الوحيد فلا سبيل من اللجوء له.
الطب الحديث يعرف العلاج بالصدمات الكهربائية وانسحاب الأنسولين. كذلك الأمر. عملية جراحية عصيبة لا يلجأ لها إلا حال الضرورة.
صديقتي التي تعمل فنانة تشكيلية بالإسكندرية وتدخن السجائر عندما شرحت لها الأمر قالت جملتها المهمة، كتير من البيوت كانت ممكن تنقذ من الضياع والتشتت والهدم بقلمين، يذهبان الغيظ، ويضبطان المسار، لتستمر الحياة.. وبيوت أكتر كانت ممكن تتصلح لو الناس طبقت مفهوم الحكماء ورغبة الإصلاح.
ولاحظ المفارقة.. لو وجد الرجل امرأته ترتكب الفاحشة مع رجل غريب في بيته فلا يحق له أن يضربها أو يتطاول عليها. رغم فظاعة الجريمة وشدة الخطأ. لأنها في مثل تلك الحالة لم تعد تخصه، وانهارت علاقة الزوجية القائمة على المودة والسكينة والأمان. وصار الأمر خارج حدود اختصاص الزوج، فلا سلطان له سوى اللجوء للقضاء. ووردت في ذلك آيات الملاعنة. أي يقسم أنه رآها تزني وهي تقسم أنها لم تفعل. ويكون قسمها تبريئا لها ومقدما على قسم زوجها.
ولنا في رسول الله أسوة وقدوة. فلم يضرب بيده يوما امرأة ولا طفل.. رسول الله الذي تظاهرت عليه زوجاته وتآمرن عليه وعكرن عليه صفو حياته، حتى بات مغموما وخاصمهن شهرا، ونزل في ذلك قرآنا يتلى.
وكانت زوجة عمر بن الخطاب تراجعه في الكلام، فغضب عليها، قالت له أتعجب أني أراجعك وابنتك عند رسول الله تراجعه.. فسارع عمر إلى ابنته حفصة وسألها. قالت والله إن نساء النبي يراجعنه ولا يطعنه حتى يبيت مغموما. فنهاها عن ذلك عمر.
وقبل الحديث عن الضرب أو غيره، فالأصل في عقد الزواج كما ذكرنا أنه عقد رضائي قائم على السكن والمودة والرحمة. قال الله "خلق لكم من أنفسكم أزواجا"، وهي أعلى درجات العاطفة والانتماء. جزءا منك تظل حياتك تبحث عنه وتحافظ عليه. وفي التوراة في سفر التكوين أن آدم لم يأنس في الجنة للشجر والمتعة وحفيف الملائكة، ولم يشعر بالرضا عن حياته سوى بوجود حواء، هنا شعر بالاكتمال والرفقة والأمان.
وبذلك لو انتفت تلك الشروط فسد العقد. فلا حياة بين اثنين دون رحمة متبادلة وحياة مطمئنة وعلاقة ودودة. فلو ضربها بعد ذلك فهو ضرب الحبيب الذي –قطعا- سيكون كحبات الزبيب.
وعمليا لو تابعنا حالات الطلاق وشكوى المرأة من زوجها يكون غالبا لأسباب أخرى مثل أنه بخيل أو يتعاطى المخدرات أو منحل أخلاقيا أو مستهتر بالمسؤولية أو أنه يكرهها.
ويكون الضرب شكوى تابعة أو جانبية أو مترتبة على قضية أخرى أكبر، في السنة قال الرسول "النساء شقائق الرجال" وفي القرآن قال "بعضكم من بعض".