التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 10:38 ص , بتوقيت القاهرة

هل كرداسة حقا مستعمرة إسلامية؟

طرقات على الباب مع نداء نسائي "يا أبو أحمد.. يا أبو أحمد" تفاجأ أصحاب المنزل قبيل صلاة العشاء ليفتحون ويستقبلون سيدة ترتدي خمار وتعرفهم بنفسها "أنا أم خالد إلي أحمد اتخانق معاه في المدرسة النهاردة". وهو ما يجعلك تتخيل للحظة أنها تريد أن تستكمل الشجار مع أهله، إلا إنها جائت في الحقيقة لتقنع "ح.م" أن يعيد أوراق ولده أحمد التي سحبها من المدرسة عقابا له بعد أن تشاجر مع زميله.

موقف عايشه "دوت مصر"، حينما استضافنا حامد مدير التخطيط في إحدى الشركات في منزله، وليكون دليلنا فيما بعد بكرداسة ليطلعنا على أحوالها من الداخل بسبب صعوبة الظهور الإعلامي والتصوير بداخلها، كما أنه رفض تصويره هو شخصيًا خوفًا من العودة إلى المعتقل، بعد طريق طويل وسط الأراضي الزراعية أثناء الغروب، وصلنا إلى أسوار مكتوب عليها "مرحبا بكم في مدينة كرداسة"، ومن ثم دخلنا شارع رئيسي طويل به موقفين للمواصلات أولهم يجاور قسم كرداسة، الذي امتلئت جدرانه بالعبارات المسيئة للداخلية والرئيس.

رغم أن المحال التجارية التي خرجت فتارين العرض إلى خارجها لتحمل ثياب ملونة وعصرية، إلا أن المارين في الشارع كان أغلبهم سيدات ترتدي العبائات السوداء والخمار والنقاب، وشباب عشريني أغلبه يطلق اللحى، وإن كان لدليلنا رأي آخر، أكد فيه أن كرداسة مجتمع ريفي بنسبة 30%، إلا أنه تأثرت مؤخرًا بالمدينة والتكنولوجيا، وأصبحت موقع إستراتيجي يحيطه بعض القرى.

فتحررت كرداسة من وجهة نظر حامد من العادات الريفية، مثل الزواج المبكر، والذي تسبب في عدة مشكلات لكونه كان يحدث عرفيا وليس على يد المأذون، وهو ما لا يثبت حق الزوجة في حالة حدوث خلافات بينها وبين زوجها قد تؤدي إلى الطلاق.

"الناس بتسيب المدن وبتيجي كرداسة" قالها "ح.م"، ليؤكد أن مجتمعه منفتح وآمن وليس له أسوار كما يدعي البعض، بل إت كرداسة تلفظ المتزمت، على الرغم من الطابع الديني الذي يميزها، ليتابع "في بعض الجماعات إحنا مبنحبهاش" ممثلهم بالجماعات التكفيرية والجهادية.

لماذا تورطت كرداسة في السياسية؟

هو السؤال الذي أجاب عليه "ح.م"، حينما قال "علاقتنا بالسياسة إننا عايزين ناكل عيش، عايزين أمان لا عايزين نبقى رؤساء ولا وزراء ومع ذلك مكناش حابين إن الإخوان ينفردوا بالحكم" متهما الإعلام بأنه هو ما أثار "البروباجاندا" حول كرداسة، ووصفها بأشياء ليست فيها.

"إلحقوا كرداسة عاملين فيها أسوار ومبيخرجوش ولا يدخلوا الناس إلا بتصاريح"، أحد الجمل، التي كره "ح.م" أن يسمعها من الإعلام على مسقط رأسه، كما أنه استنكر أن يكون أهالي كرداسة يملكون أسلحة أو متفجرات، متابعا "أهالي كرداسة كلهم عارفين بعض ولو حد فيهم كدة بنعرفه، ده لو فيه خناقة كبيرة حصلت في البلد بنقفل عليها وبنجيب الجيش والشرطة، لو احنا بينا مجموعات مسلحة كنا دبحناهم".

كنت معتقل

"أنت متهم بحرق الكنيسة وعمل تظاهرات"، سمعها "ح.م" حينما تم إلقاء القبض عليه في 24 يونيو 2014، وتم اعتقاله أكثر من ثلاثة شهور قيد التحريات، التي تسبب فيها أحد المخبرين حينما أكد للشرطة أن حامد يحمل السلاح، ولكن الشرطة تأكدت فيما بعد أنه كان بمقر عمله في نفس الساعة التي حرقت فيها الكنيسة، ولكن الواقعة جعلت "ح.م" في كل مرة يسمع قرار تجديد الحبس، يخبر رئيس النيابة "إنتو بتحولونا من ناس عاديين لمجرمين".

الحرب على كرداسة

"الناس اتصدمت لما لقيت بلادهم بيتعمل فيها كدة"، أعرب "ح.م" عن أسفه عن حادث حريق القسم، مؤكدا تفاجؤ أهل كرداسة حينما وجدوا مسلحين ومقنعين بداخلهم يحملون أسلحة ثقيلة أول مرة يشاهدوها، ما جعلهم يشعرون "إن الحرب قامت". فالناس العادية من وجهة نظره لا تملك آر بي جي، وأن تلك الأسلحة لم يشاهدوها إلا عبر التلفزيون.

"يوم ما الحكومة نزلت إحنا كنا فرحانين"، تحدث "ح.م" عن المساعدات التي قدمها أهالي كرداسة لرجال الشرطة، مشيرا إلى عدم ممانعة أهالي المدينة من ضبط أي شخص منهم مشتبه فيه لكونه شارك في تلك العمليات الإرهابية، على عكس ما صور الإعلام الذي أكد أن كرداسة وكر إرهابي تقتل رجال الشرطة وتمنع الغرباء من الدخول، واصفا ما حدث بكرداسة بـ"حرب كبار" استغلوا الأحداث السياسية في تصفية الحسابات.

كرداسة والإخوان

"كرداسة فيها الحزب الوطني والوفد والنور والإخوان" أكد "ح.م" أن كرداسة تأثرت بانفتاح الأحزاب بعد الثورة، وتأثرت بالإخوان مثلها مثل أي منطقة في القاهرة والجيزة، نافيا وجود تحزبية أو كتلة سياسية مسيطرة عليها، مبرهنا ذلك بكثافة اشتراك المواطنين في الاستفتاء الماضي، قائلا "لو كان عندنا تحزبية مكنش فيه مواطن واحد نزل الاستفتاء".

قتل اللواء نبيل فرج

"الإعلام كان عايز البلد دي تتعدم ويتعدم أهلها" تذكر "ح.م" أنه في 19 سبتمبر منع من أن يخرج لعمله، فكانت كرداسة موضوعة تحت حظر التجول والطائرات تحيط حولها من كافة الاتجاهات وكأن إسرائيل كانت تحارب مصر، وظل ذلك الوضع على مدار شهور حتى كانت تنفق الدولة على الإجراءات الأمنية 8 مليون جنيه يوميا، "مش إحنا كنا أولى بيهم"، والإعلام أخد يصدر رسائل تحذيرية تؤكد للناس أن كرداسة مستعمرة إسلامية زي أفغانستان.

اصطحبنا الدليل إلى المسجد عقب آذان العشاء، لنتحدث إلى بعض مواطنين كرداسة، فقال شيخ الجامع، "ع.أ" لـ "دوت مصر"، أن كرداسة برئية من كل الإشاعات، وأنها بلد آمنة سياحية واجتماعية لا تفرق بين مسيحي ومسلم، بها بعض الأمية التي تحاول أن تمحيها الجمعيات الأهلية.

"الإعلام المصري مضلل"، أعرب شيخ الجامع عن كرهه لوسائل الإعلام وأنه لا يتابع إلا قناوات الشرق ورابعة، فكرداسة برئية من دماء اللواء نبيل فرج، وأن كرداسة تحزن لدماء أي رجل شرطة أو جيش أو مواطن عادي. مؤكدا أن الشرطة منتشرة في جميع الأرجاء وحملة الاعتقلات طالت أغلب رجال كرداسة، والمرشدين "بيمشوا جهرا الله ينور وبكل فخر"، مشيرا أن التغيير الوحيد في كرداسة بعد الثورة هو الفساد الأخلاقي الذي حل على البلد في الثلاث سنوات الأخيرة، مستثنيا منهم عام رئاسة محمد مرسي، قائلًا "عرفت أشم نفسي".

أما "ع.ز" الناظر، تذكر الأمر الذي جائه من الإدارة التعليمية بإغلاق المدرسة أثناء أحداث رابعة، ومن ثم عاد ليجد أقفال المدرسة مكسورة والمدرسة مفتوحة ليتفاجأ من وسائل الإعلام بصور اقتحام المدرسة من قبل الملثمين، الذي أكد أنهم من خارج أهالي كرداسة، حيث أنه يتعامل مع 2500 طالب يعرف جيدا أسرهم.

مختتما أن ما حدث في كرداسة هو استهداف للداخلية وانتقاما منها من البلطجية التي صنعتهم هي، فاستغلوا فرصة الاضطرابات السياسية، إلا أنه أكد بعد ذلك أن كان لكرداسة أهالي معتصمين في "رابعة" قتلوا فثأرت لهم عائلاتهم.