تعدد الزوجات في الإسلام.. المقدمة اللغوية
بحسب ما جاء عن ابن حجر في "شرح المنهاج"، بلغت أسماء النكاح عند العرب ألفًا وأربعين. كلها إشارات إلى الجنس أو كما قال هو حرفيًا: لُغَةً الضَّمُّ وَالْوَطْءُ. (1) من هذه الأسماء التي تشير إلى الجنس في لغة العرب وتعني النكاح: الركوب، المضاجعة، المجامعة، المخادنة، المسافدة، المباشرة، المواقعة، والمباطنة، المهالكة، والمهاجمة، المقارعة، الاعتلاء، الامتطاء، والمناكحة.
إذن؛ فكلمة النكاح، التي وردت في مواضع عدة من القرآن الكريم، من حيث هي مصطلح لُغوي، تعني ممارسة الجنس، أما من حيث هي مصطلح شرعي، فتعني العقد الذي يمنح الرجل حق هذه الممارسة الجنسية.
ويتساءل المفكر التونسي فتحي المسكيني فيقول: "هل من الصدفة أنّ أسماء الجنس في العربية في أغلبها مستقاة من استعارات عنيفة، وكأنّ الأمر يتعلق بحرب على الجسد المنكوح خاصة؟
وهو تساؤل كانت مفردات اللغة أيضًا تقف خلفه. فكلمات من عينة: إصابة، إجهاد، رطم، سطو، طخ، طرق، طعن، ارتطام، اختراق، ازدحام، انتحاب، اضطرام، واقتحام، كلها إشارات للنكاح في المعجم العربي. (2)
في الواقع؛ إن المسألة ليست مصادفة علي الإطلاق، فاللغة وإن كانت وليدة حاجات المجتمع، إلا أنها في الوقت عينه، انعكاس لثقافته، ومرآة عاكسه لسلوكه ونشاطه. وتلك هي القاعدة التي استقر عليها علماء الاجتماع، والتي يجب أن تدفعنا لنسأل، على طريقة المسكيني، هل من المصادفة أن يستخدم العرب لفظ "بعل" للإشارة إلى الزوج، بصفته الطرف الفاعل في عقد النكاح ومسألة المناكحة؟
فكلمة البعل بمعنى الزوج إشارة إلى المالك والسيد. وبعل الشيء مالكه أو ربه، وهي في الأصل اسم لإله زراعي قديم، وكذا ورد ذكرها في القرآن: أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. وجاء عن ابن عباس أن ناقة قد ضلت فجاء صاحبها يقول: أنا بعلها.(2) أي أنا مالكها.
وليومنا هذا مازال العرب في دول الخليج يطلقون على عقد القران، أو كتب الكتاب كما نقول هنا في مصر: المِلّكة. فالرجل بعقد قرانه على المرأة يكون قد ملكها. لهذا السبب لابد أن "يدفع" لها مهرا نظير تلك الملكية التي تمنحه حق التمتع بجسدها أو بلغة الفقه: ذوق العسيلة.
إذن؛ من هذه المقدمة المختصرة بشدة، نستطيع القول إن المرأة أو الزوجة في حياة العربي كانت – وربما مازالت - تتمحور حول شيئين.
الأول: أنها حيازة شخصية مملوكة له. الثاني: أن غرضها الأساسي هو الممارسة الجنسية وقتما اتفق.
وحول هذه النقطة يقول ابن حجر في معرض حديثه عن النكاح الشرعي: «وفائدته حفظ النسل وتفريغ ما يضر حبسه واستيفاء اللذة والتمتع». ويستهل ابن قدامة حديثه عن الأحكام الفقهية للنكاح فيقول: الناس في النكاح على ثلاثة أضراب:
الأول: الذي يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح.. يجب عليه النكاح، بقول عامة الفقهاء.
الثاني: من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور.. يُستحب له النكاح.. فالنكاح له أفضل من التفرغ لنوافل العبادات.
الثالث: من لا شهوة له، إما لكبر سنه وفقد قدرته الجنسية، أو العنين المعيوب خلقيًا، فالأفضل له - على أحد القولين - أن يتفرغ للعبادة.(4)
وهكذا، كما هو واضح بشكل جلي، الجنس والشهوة الجنسية هي كلمات السر في الأحكام الفقهية، سواء ما يستحب منها أو ما يجب. وهو الأمر الذي لا بد وأن يقودنا إلى التساؤلات التالية: هل كانت مؤسسة الزواج هي المحل الوحيد الذي يفرغ فيه العربي طاقته الجنسية؟ وماذا عن شكل تلك المؤسسة، وما طبيعتها؟ وهل تغيّرت طبيعة العلاقات الجنسية بتغير المرجعية الدينية للعربي؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة هي الطريق الوحيد والحصري الذي من شأنه أن يتيح لنا فهمًا أفضل لأسباب تعدد الزوجات في الإسلام، وهي المسألة التي دائمًا ما تلوكها ألسنة الحمقى بغية الطعن في الدين الحنيف.
في الواقع؛ إنهم دائمًا ما يرددون السؤال الخاطئ، السؤال الذي مفاده؛ لماذا أباح الإسلام تعدد الزوجات؟ وكان حري بهم أن يسألوا السؤال الأصح: هل كان بوسع الإسلام تحريم تعدد الزوجات في مجتمعه ووقت مجيئه أصلاً؟!
نعم؛ لقد جاء الإسلام في مجتمع منفتح جنسيا أشد ما يكون الانفتاح، جاء وشريعة تعدد الزوجات راسخة في حياة العرب منذ قرون، على تعدد أديانهم، شأنها شأن الاسترقاق أو العبودية، ولما استحال على الإسلام أن يحرم العبودية، واكتفى بتقنينها وتحسين شروطها، مراعاة لظروف المجتمع، استحال عليه أيضا أن يحرم تعدد الزوجات، واكتفى بتقنين العلاقات الجنسية، فلئن كانت العبودية تمس الجانب الاقتصادي لمجتمع النص، فالتعدد يمس جانبه الجنسي، الذي هو أخطر بكثير في حياة العربي، والذي هو المفتاح الأول، بل الوحيد، الذي يمكننا من خلاله الولوج إلى الأسباب الحقيقية لموافقة الإسلام للعرب على التعدد.
وهو الأمر الذي سنحاول في قادم المقالات، بعيدًا عن حذلقة المتحذلقين، أن نجليه للقارئ عن طريق إبراز الصورة الواقعية لهذا المجتمع.
وللحديث بقية.
المصادر:
(1) ابن حجر الهيتمي. تحفة المحتاج في شرح المنهاج. المجلد السابع صـ 138
(2) ورد المتسائل المذكور في مقال نشره موقع الآوان/ يوليو 2104 تحت عنوان نكاح العقل.
(3) ابن منظور. لسان العرب. المجلد 11 صـ 59
(4) ابن قدامة. المغني. المجلد السابع صـ 6 وما بعدها