التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 03:16 م , بتوقيت القاهرة

الموت الرمادي

مجددا استيقظنا يوم السبت صباحا على حادثة طريق كارثية أخرى وعمال بسطاء يموتون.. مسلسل مؤلم وممل لا ينتهي.. مشكلة ضحايا حوادث الأسفلت أن موتهم يكون للغالبية موتا رماديا. 



موت بلون الأسفلت.. قضاء وقدر.. أسبابه ليست محددة ومسؤوليه أيضا- طبعا عدا حوادث القطارات التي يكون فيها الإهمال واضحا. ما سأتحدث عنه الآن مشاكل الطرق الأسفلتية.. مشاكل السكك الحديدية قُتلت بحثا وشجبا واستنكارا ورغم ذلك تتكرر دوما. 


هل تعلم أن الطرق في مصر يوميا تقتل أكثر من الإرهاب؟.. وأكثر من التفجيرات.. الموت الرمادي كلنا مُعرضين له... الموت الرمادي.. غير متوقع قد يأتي لي أو لك في أي مكان.. ولم نسمع أبدا عن مسؤول يُحاسب بسببه.


سنبدأ من البداية.. من يصمم الطرق ؟


هل يقوم بعمل الطرق التي تشرف عليها الحكومة في مصر مهندسون حقا ؟


عندما كنت في كلية الهندسة درسنا قواعد وأساسيات تصميم الطرق..


1- كثافة السكان تحدد كثافة المرور، وكثافة المرور تحدد عرض الطريق.


2- كثافة الطريق المتوقعة في وقت الذروة تحدد السرعات.


3- على أساس السرعات  يتحدد ميل الطريق بنسبة معينة في الملفات.


4- حارات انتظار الأعطال والإسعاف ليست "رفاهياتهي" أشياء أساسية.


 5-اللوحات الإرشادية وعواكس الإنارة وتخطيط الطريق أشياء بديهية.


ضع علامة صح أمام كل نقطة من هذه النقاط في كل طريق تمر به..


لدينا طرق جديدة جيدة جدا مثل القاهرة- الإسكندرية، والقاهرة- الإسماعيلية، والقاهرة- السويس.. صحيح أنها ليست مثالية 100 %، ولكنّها أفضل ما تم تنفيذه في السنوات العشر الأخيرة، ولكن مع هذه الطرق.. عدد لا نهائي من طرق الموت.. هل تعلم لماذا هذه الطرق جيدة؟ لأن القوات المسلحة كانت مسؤولة عنها.. وعهدت لشركات كبرى في القطاع الخاص بها وفي وقت قياسي انتهت.. أما الطرق التي تخضع للحكومة فهي مأساة.


فشلنا في السابق في مدننا القديمة هل يطبق هذا في المدن الجديدة و الطرق الحديثة ؟


هل تعلمونا هذا لنطبقه عندما نسافر لنعمل في الخليج ؟


ما هذا العبث.. نحن نفتقد أبسط قواعد الهندسة.. كيف تقوم بعمل طريق آمن بدون أبسط القواعد! هل خضت تجربة السفر على طريق يربط القاهرة بأي محافظة زراعية؟ القاهر- الفيوم مثلا.. لقد ظلوا منذ 2011 حتى 2015 يمهدون جزءا من الطريق.. ثم يخربون الآخر.. ثم يمهدون الآخر.. فيكتشفون أن هناك مشكلة فيما فعلوه أولا.. فيكسرون الكل.. وهكذا.. ثم يهبط الأسفلت فيكررون الكرّة... ويكسرون بوابة الرسوم.. ثم يقومون ببنائها.. ثم يهبط الأسفلت أمامها فيعيدونها...! وفي النهاية يوميا حوادث مميتة.. لدينا شركات حكومية عملاقة تحصل من أموال ضرائبنا على مئات الملايين حتى تقوم بعمل طرق موت.


كيف يقوم الاستشاري باستلام أسفلت بجودة أسفلت الطريق الدائري أو أي طريق آخر مماثل؟


يقولون: ما يفسد الأسفلت عربات النقل.


يا سلام.. وهل كانت مفاجأة لكم أن هناك عربات نقل ستمر على هذا الطريق أو ذاك؟


يقولون: سبب الحوادث الحمولات الزائدة والسرعات العالية.


يا سلام تاني.. ومن المسؤول عن ضبط المخالفين؟ من المسئول عن زحام وحوادث منطقة مثل المنيل مثلا.. مليئة بالتقاطعات ولا يوجد بها إشارات مرور؟ حتى أضعف الإيمان عسكري مرور في كل تقاطع يكون مفقودا أغلب الأوقات.. من يحاسبهم على عبث تمهيد الطرق وتكسيرها ؟ هل هناك شهادة ضمان أن هذا الأسفلت صالح لعدة سنوات محدد؟ وعندما يحدث خطأ يحاسب المسؤول؟


من حقنا أن نعلم بشكل معلن التكلفة الفعلية لكل طريق وأعوام صلاحيته للاستخدام.. تمهيدكم لطرقنا ليس فضلا ولا إحسانا ولا إنجازا.. نحن ندفع ثمن هذا من ضرائب دخلنا المباشرة أو رسوم تجديد رخصتنا أو ماندفعه مقابل مرورنا كرسوم.. أنتم مسئولون عن الدماء... القدر بريء من إهمالكم.. ستقولون هي أعمار.. طبعا أعمار.. أموت آمنا على سريري في بيتي في نفس اليوم ولا أموت بسبب فشلكم.


كيف نفكر في بناء عاصمة جديدة ودولة جديدة ونحن لم نتخلص بعد من الفساد والإهمال؟


لو كان الحل في الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.. فلتلغوا الشركات الحكومية.. أو تتخلصوا من الفاسدين بها.. لو كان عدم تنظيم المرور بشكل تام في مصر صعبا بسبب انشغال الشرطة في محاربة الإرهاب.. فلا تنسوا إن محاربة الإرهاب غايته الحفاظ على أرواح المصريين كما هو تنظيم المرور غايته الحفاظ على أرواح المصريين وتسهيل حياتهم.


أخيرا.. 


كيف نحارب الإرهاب أو نبني من جديد، ونحن نقتل أنفسنا بأيدينا بواسطة بعض النماذج السيئة مثل مهندس استشاري متخاذل أو موظف مرتش أو مهندس تصميم فاشل أو شرطي مرور يترك موقعه فارغا.. كل  هذه النماذج قتلة.. كل هذه النماذج تدمر أعصابنا وأحلامنا.. يحولون ذهابنا لأعمالنا مغامرة.. وعودتنا منها مأساة.



يا أيها الفشلة والمرتشون والمهملون قتلة الأبرياء بموتكم الرمادي.. اذهبوا إلى الجحيم.. وهناك لن تشفع لكم أواني زهوركم المزيفة التي تعرضونها عند مرور البيه المسؤول.. لن يشفع لكم كلمة نفاق من أحدكم في إحدى القنوات لهذا الوزير أو الرئيس .. واعلموا .. أن دمنا ليس رخيصا.. بل أنتم.