نووي باكستان.. السلاح السعودي لردع إيران
لم يعد يخفى على أحد سعي المملكة العربية السعودية الدائم لتعزيز علاقاتها مع جمهورية باكستان، القوة النووية الإسلامية الوحيدة، والارتقاء بها إلى مرتبة التحالف الاستراتيجي، لتكوين جدار صد قوي في وجه المطامع المتنامية لعدوتها الأولى "إيران".
ورغم رفض إسلام أباد الانضمام إلى تحالف إقليمي تقوده السعودية بهدف احتواء إيران، بجانب مواجهة التحديات على الساحة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها خطر تنظيم "داعش"، وفقا لتقرير نشره موقع "المونيتور" الأمريكي مؤخرا، أكد رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، خلال زيارته الأخيرة للمملكة أوائل الشهر الجاري، أن بلاده لا تزال حليفا قويا للرياض.
دعم عسكري.. واستقبال على غير العادة
العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وعلى غير العادة، استقبل نواز شريف بنفسه لدى وصوله إلى المطار، تأكيدا على أهمية المباحثات، التي تركزت حول "العدوان الإيراني في العالم العربي"، والموعد النهائي الوشيك للمفاوضات حول المشروع النووي الإيراني، حيث أراد سلمان، بحسب "المونيتور"، نشر كتيبة عسكرية باكستانية في المملكة، للمساعدة في الدفاع عن الحدود الجنوبية الغربية مع الشمال اليمني، الذي يسيطر عليه الحوثيون، المدعومون من طهران، ولتخدم أيضا كقوة ردع بالوكالة لأي عدوان إيراني.
نواز شريف أبلغ الملك سلمان أن الوقت الحالي ليس أوان تواجد القوات، إلا أنه لم يغلق الباب كلية، وإنما ترك الخيار مفتوحا أمام نشر قوات في المملكة مستقبلا، إذا ازداد الوضع الأمني ?سوء.
تعاون تاريخي
وبالعودة إلى التاريخ، خدمت باكستان، في وقت سابق، مصالح السعودية بتزويدها بمساعدات عسكرية وأمنية في أوقات التوتر، ففي عام 1979، وقت قيام "الثورة الإسلامية" في إيران، بقيادة آية الله الخميني، وخاصة بعد تلويحها بـ"تصدير الثورة" إلى دولة الجوار، كما استقبلت المملكة نحو 30 ألف جندي باكستاني، وظلت هذه القوات باقية في المملكة حتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين.
كما وظف السعوديون الآلاف من الجنود الباكستانيين، خلال حرب الخليج عام 1991، وفي بداية عام 2014، زار وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، وولي العهد (آنذاك) الأمير سلمان، إسلام آباد، لتجديد الاتفاقيات العسكرية بين البلدين حول الإنتاج المشترك للأسلحة، وكان المقصود من الزيارة أيضا إرساء الأساس لإرسال 30 ألف جندي ومستشار عسكري باكستاني إلى المملكة.
إسلام أباد.. لماذا؟
وينظر حكام السعودية إلى باكستان باعتبارها واحدة من 3 قوى إقليمية، إلى جانب إيران وتركيا، قادرة على فرض تأثير حاسم على الشرق الأوسط، بحسب المراقبين.
ولأن التحالف مع إيران الشيعية، عدو المملكة الأيديولوجي الأشد خطورة، والذي تحركه طموحات الهيمنة الإقليمية، أمر غير وارد على الإطلاق، وباعتبار تركيا، بزعامة رجب طيب أردوغان، منافستها على حمل لواء زعامة المسلمين السنة، تبدو إسلام آباد هي الحليف الأنسب للرياض.
تحالف استراتيجي "غير معلن"
ووفقا لخبراء الشؤون الدولية، فإن العلاقات الوثيقة بين باكستان والسعودية المستمرة منذ فترة طويلة، تدعم هذا التحالف الاستراتيجي غير المعلن، خاصة أن المملكة وقفت بجانب باكستان ودعمتها ماديا بشكل كبير؛ فعلى سبيل المثال، أمدت السعودية باكستان بالبترول في عام 1998 لمساعدتها على الصمود ضد العقوبات الدولية التي فرضت عليها، بسبب إجرائها تجربة نووية، كذلك أنقذت المملكة رئيس الوزراء الباكستاني الحالي، الذي أطيح به في انقلاب عام 1999، ومن ثم فهو يدين بالفضل للسعودية إلى الآن.
دعم متواصل
اتضح، منذ سنوات عدة، أن السعودية منحت باكستان مساعدات مالية سخية، وخاصة في مجال الدفاع، بما في ذلك مساعدات خصصت للمختبرات وصناعة الصواريخ النووية، بحسب تقارير إعلامية عديدة.
وتأكيدا لذلك، قدم الملك سلمان لرئيس الوزراء الباكستاني، خلال زيارته الأخيرة للمملكة، مساعدات اقتصادية ضخمة، في محاولة لدعم إسلام آباد، بينها شحنات نفط وتسهيلات مالية كبيرة.
كلمة السر "نووي"
في عام 2013، كشف تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أن الرياض استثمرت في مشروعات الأسلحة النووية الباكستانية، معتقدة أن بإمكانها الحصول على الأسلحة الذرية في الوقت الذي تشاء، في إطار المنافسة التي يثيرها البرنامج النووي الإيراني.
التقرير جاء ليؤكد تصريحا أدلى به مسؤول في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في وقت سابق، بأنه اطلع على تقارير استخبارية تفيد بأن الأسلحة النووية المصنعة في باكستان نيابة عن السعودية، التي طالما حذرت الولايات المتحدة الأمريكية من أنها سترد على إيران بالأسلحة النووية في حال شنت أي هجوم، أصبحت الآن جاهزة للتسليم.
خطة احتياطية
وذكرت شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، في مارس الحالي، أن المملكة العربية السعودية بصدد عمل خطة نووية احتياطية، لمواجهة احتمالية فشل الاتفاق الدبلوماسي الغربي مع إيران في وقف سعي طهران نحو امتلاك سلاح نووي.
"فوكس نيوز" أشارت إلى زيارة رئيس لجنة الأركان المشتركة الباكستاني، الفريق أول ركن راشد محمود، السعودية الشهر الماضي، جاءت في ظل التخمينات بشأن اتفاق المملكة مع باكستان على الحصول على رؤوس حربية نووية، إذا تمكنت إيران من امتلاكها، وهي الزيارة التي جاءت بعد يوم واحد من تجربة الجيش الباكستاني لصاروخ "رعد"، الذي يصل مداه إلى 220 ميلا، وهو قادر على حمل رؤوس نووية.
المال السعودي يحفظ استقرار باكستان
وفي هذا الصدد، يقول مراقبون إن السعودية بما تملكه من مقدرات مالية هائلة، وأيضا بما وضعته من مشروعات مستقبلية طموحة في مختلف المجالات، تفتح أمام باكستان أبوابا كبيرة للتعاون، من شأنها أن تساعد هذا البلد المتضرر بشدة من عدم الاستقرار في أفغانستان المجاورة، والذي يشهد منافسة شرسة من الهند، وهو معرض أيضا للمطامع الإيرانية، على استعادة توازنه واستقراره، ليشكل بدوره حليفا مهما للسعودية، وجدار صد قويا في وجه طهران.