صور| المنقبون عن الآثار.. حلم الثراء السريع في قنا
"التنقيب عن الآثار".. ظاهرة شعبية منتشرة في صعيد مصر، لها طقوس ومفردات شديدة الخصوصية، وكثيرا ما نسمع عن منزل أو شارع وربما قرية بأكملها تنتشر حوله الأقاويل بوجود آثار فرعونية أو غيرها مدفونة في أعماقه، أو تسري شائعات تفيد بأن شخصا ما عثر على "اللقية" كما يسمونها في المفهوم الشعبي، من الذهب أو التماثيل، غيرت مسار حياته.
ينجرف الكثير من الناس، والشباب على وجه الخصوص وراء تلك الشائعات بحثا عن حل مثالي للقضاء على الفقر والانتقال إلى حياة أفضل، يرجع هذا إلى تفشي ظاهرة البطالة وتأثيرها القوي والمباشر على الشباب، فيسيرون وراء أحلام الثراء السريع عن طريق البحث عن الآثار أو التوسط في بيعها أو شرائها.
وقد زادت ظاهرة التنقيب عن الآثار بعد ثورة يناير، وتجاوز الأمر حد التنقيب ليصل إلى النصب والاحتيال وربما القتل في بعض الأحيان.
ويقول ثروت سيف محمد "مواطن"، إن التنقيب الشعبي عن الآثار ظاهرة موجودة من قبل الثورة، لكنها انتشرت بكثرة، حيث إن العديد من المواطنين اعتدوا على أملاك الدولة، وأوهموا البعض بوجود آثار في هذه الأماكن، كما أحضروا "مشايخ" لإيجاد هذه الآثار، وهذا أحد طقوس البحث الشعبي، حيث يحضر الناس عادة أحد الشيوخ ليقرأ بعض التمائم والأوراد لفك طلاسم الكنز الموجود بباطن الأرض.
وأضاف محمد أن هذه الأمور غالبا ما تكون في إطار النصب والاحتيال على البسطاء والحالمين بالثراء السهل والسريع، حيث إن المعروف أن كل من حضر مراحل البحث أو شارك فيها يكون له نصيب من "اللقية"، لكن الأمر عادة ينتهي بما لا تحمد عقباه حيث لا يجد الباحثون شيئا، وتتطور الأحداث لتصل إلى مشاجرات وربما تحدث جرائم قتل.
وأرجع محمد انتشار هذه الظواهر إلى عدم وعي المواطنين ولجوئهم للخرافات واستماعهم للإشاعات، فضلا عن تراجع دور الأمن فيما بعد الثورة.
شارك عمرو الراوي، في العديد من رحلات البحث والتنقيب عن الآثار، رغم عدم قناعته بهذه الخرافات، حسب وصفه، واعتبر أن "الناس مضحوك عليها" من النصابين وتجار الوهم، والدليل أن كل عمليات البحث التي حضرها لم تسفر عن شيء، ولكنه قال في نهاية حديثه معنا إن "اللقية للموعودين مش للحسابين".
التقينا أحد الشيوخ الذين يستعين بهم الأهالي لإيجاد الآثار، والذي رفض ذكر اسمه أو عرض صورته، لكنه أطلعنا على العديد من المعتقدات الشعبية الموروثة في التنقيب الشعبي، وأطلعنا على أحد الجبال التي انتشر فيها التنقيب عن الآثار وبدء بالفعل فيها للبحث عن الآثار.
وقال إن "اللقية" أمر موجود بالفعل وليس ضربا من الوهم أو الخيال، كما أن هناك شواهد على ظهورها، مضيفا أنه لا يبدأ العمل إلا مع ظهور هذه الإشارة أو العلامة، والتي تتمثل في "ديك" يجري ليلا في مكان الأثر، أو سماع صوت "شخللة ذهب"، عندها أقوم بإحضار "الدليل"، وهو شخص مؤتمن، فأقرأ عليه حتى ينام ثم يدلنا على مكان الأثر وماهيته.
وأكد الشيخ أنه لا يتقاضي أجرا إلا بعد ظهور "الأمانة"، حسب روايته، أما إذا لم يخرج شيء فلا يقبل إلا ثمن البخور والكشف فقط، وأرجع الشيخ عدم العثور على "اللقية" بأن حارسها له طلبات يجب أن تنفذ حتى نتمكن من فتحها.
ومن جانبه، قال مصدر في هيئة الآثار بقنا إن قانون حماية الآثار رقم 117 لعام 1983 والمعدل في عام 2010 يحرم ويجرم التنقيب عن الآثار من قبل المواطنين، بل ويضع المواطن تحت طائلة القانون، فضلا عن أن معظم المنقبين العشوائيين عن الآثار لا يعثرون على شيء غير خسارة أموالهم بل ويصل الحد بهم لبيع منازلهم، إضافة لسقوط ضحايا منهم كما حدث في عدد من قرى المحافظة.
وأضاف المصدر أن قيام المواطنين البسطاء بالتنقيب عن الآثار هو نتاج حالة الفوضى التي أعقبت الثورة، وعقب بقوله إن ما يتصوره البعض من سهولة الحصول على الكنوز الفرعونية سواء باللجوء لما يعرفون بـ"المشايخ" هو مما يدل على غياب الوعي لدى الناس، وغياب دور الأمن وانتشار ظاهرة البلطجة.
وأوضح المصدر في تصريحاته الخاصة لـ"دوت مصر"، أن عملية التنقيب عن الآثار تخضع لخطط ممنهجة من قبل خبراء الوزارة يتم فيها تحديد المكان المراد الكشف عنه، حسب تقارير واردة من الأثريين، وبحوث خاصة بكبار علماء الآثار.
وكشف محمد أبو المجد، مسؤول عن المنطقة الأثرية بـ"نجع حمادي" عن مشاركته في أعمال الحفائر التابعة لمركز البحوث الأمريكية بالبحر الأحمر، برفقة الباحثة كاترين بارد، والخاصة بآثار قرية "السماينة" عام 1989، موضحا كيف أنهم استخدموا الأجهزة العلمية، وجهاز الاستشعار عن بعد، كما أشرف على أعمال الحفائر التي قامت بها المنطقة لآثار "كرنك أبو تشت"، والتي أسفرت عن العثور على ثمانية تماثيل من "الأتاتش"، وتابوت يرجع إلى القرن التاسع عشر، تم وضعهم بمخزن الآثار بـ"قفط".