التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:06 ص , بتوقيت القاهرة

مؤتمر شرم الشيخ.. تحديات النجاح ومخاطره

عندما يتراوح حجم الاستثمارات، التي يمكن أن تتدفق على مصر نتيجة مؤتمر شرم الشيخ، ما بين60 مليار دولار استثمارات مباشرة، طبقا لتوقعات رئيس الوزراء إبراهيم محلب، إضافة إلى 12 مليار دولار أعلنت عنها السعودية والكويت والإمارات يوم افتتاح المؤتمر، نصفها على الاقل استثمار مباشر في مشروعات محددة، ونصفها الآخر ودائع في البنك المركزي المصري تدعم أرصدة العملات الاجنبية في مصر، و135 مليار دولار طبقا لتقديرات وزير البترول السابق أسامة كمال، فإن ذلك يعني أن مؤتمر شرم الشيخ حقق نتائج باهرة فاقت كل التوقعات.


وعندما يتم خلال انعقاد المؤتمر توقيع هذا العدد المهم من اتفاقات المشروعات المتعلقة بالطاقة مع أكبر شركتين عالميتين هما "سيمنس" الألمانية و"جنرال إليكتريك" الأمريكية، تغطي عجزا فادحا في الطاقة يبلغ 30 الف ميجا وات على امتداد السنوات العشر القادمة، ويتم التوقيع على مذكرة تفاهم بإنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر على مسافة 45 كيلو مترا من القاهرة، مساحتها 700 كيلو متر مربع، وتستوعب 5 ملايين نسمة، تخفف الضغط على القاهرة التي يتوقع خبراء التخطيط السكاني أن يتجاوز عدد سكانها عام2050 أربعين مليون نسمة، وتضم مقار الوزارات والبرلمان ومؤسسات الحكومة، وتعادل في مساحتها مساحة باريس 7مرات، وتضم أكبر حديقة في العالم، كما تضم أكثر من20 حيا و600 مستشفى و1200 مسجد وكنيسة ومليون مسكن، بتكلفة إجمالية تتراوح ما بين 30 و40 مليار دولار، فإن ذلك يعني أن مصر بدأت تفكر خارج الصندوق، وتنشغل بطموحات ضخمة وكبيرة قابلة للتحقيق.


وعندما تتغيير مواقف غالبية المجتمع الدولي من مصر إلا من في نفوسهم مرض، ويتحقق إجماع أغلب الدول ومؤسسات التمويل الإقليمية والعالمية والشركات الضخمة عابرة القارات على أن الاستثمار في مصر استثمار في المستقبل واستثمار في أمن الشرق الأوسط وسلامه واستثمار في أمن البحر الأبيض والأمن الأوروبي واستثمار في أمن  البحر الأحمر، وصولا إلى باب المندب، يعزز الأمن والسلم الدوليين، يصبح من حق المصريين أن يفخروا بدورهم التاريخي، همزة وصل بين مصالح شعوب العالم وحضاراته، وعنصرا أساسيا في استقرار المنطقة.


وعندما يصبح الاستثمار في مصر واجبا ومسؤولية عالمية، وفرصا واعدة تحقق أرباحا عالية ومضمونة، وليس عملية استجداء دولية كما صورها البعض، وتتزايد الآمال في أماكن حصول مصر في غضون السنوات العشر القادمة على هذا الحجم الكبير من الاستثمارات الذي يتراوح ما بين 250و300 مليار دولار، يرى الرئيس عبد الفتاح السيسي أنها يمكن أن تنقل مصر من مصاف الدول النامية إلى الدول المتوسطة الدخل، وتضمن تحسين جودة حياة المصريين.


عندما يتحقق جميع ذلك في مؤتمر شرم الشيخ، وتتحول أعمال المؤتمر وآماله إلى نتائج مباشرة وملموسة، فإن ذلك يعني أن المصريين الذين صبروا وصابروا وانتظروا كثيرا، وعانوا طويلا من سوء العيش وغياب الحكم الرشيد واختفاء الرؤية الشاملة وضياع العدالة وتعاقب حكومات عديدة مرتعشة الأيدي، يدخلون مرحلة جديدة من تاريخهم، يرونها الآن رؤية العين تشرق ملامحها في الأفق القريب.


ولهذه الأسباب ساد المصريون فرحا غامرا، وازداد تفاؤلهم، وارتفع سقف توقعاتهم، رغم إدراكهم الواضح أن الطريق لا يزال صعبا وشاقا، يتطلب من كل مواطن المزيد من الجهد والعرق، ورغم معرفتهم الأكيدة بأن هذه الاستثمارات ليست هبات ومنح، ولكنها في الأغلب قروض مريحة نوعا ما واجبة السداد في مواعيد محددة، يتطلب سدادها أن يغير المصريون ما بأنفسهم، وأن يصبحوا شعبا عارقا منتجا، لا يتوقف عن العمل ليل نهار، ويستعيدون معدنهم الأصيل الذي يبرق ذهبا في مواجهة التحديات،ويظهر قدراتهم على صنع المعجزات.


جزء مهم من أسباب نجاح مؤتمر شرم الشيخ يعود إلى حكومة المهندس إبراهيم محلب، التي نجحت في تهيئة مناخ أفضل للاسثتمار في مصر، وتمكنت من بناء جسور ثقة جديدة مع المستثمريين بعد أن بدأت تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي وإداري أزال معظم العقبات التي تواجههم، واختصر إجراءات الترخيص في شباك واحد، ووضع قواعد شفافة لحل أكثر من 25 نزاعا بين الحكومة والمستثمرين أفسدت مناخ الاستثمار خلال الفترة الماضية، وأنشأت قانونا جديدا للاستثمار يُمكن المستثمرين من الحصول على أراضي المشروعات من خلال حق الانتفاع بأراضيها لمدة 50 عاما، تتجدد مع استمرار المشروعات وتوسعتها.


وحددت سقفا أعلى للضرائب على الدخول لا يتجاوز 22.5%، وقدمت للمستثمرين خريطة جديدة لعدد من المشروعات الكبرى تمت دراسة جدواها الاقتصادية، وتبنت سياسات مالية واستثمارية مستقرة، اعترفت بحق المستثمرين في أن يكونوا شركاء في التنمية من حقهم الربح، وأسقطت كل الموانع التي تحول دون مشاركة القطاع الخاص في مشروعات التنمية دون سقف أو حدود.


ويدخل ضمن الأسباب المهمة لنجاح المؤتمر مواقف الأشقاء العرب في دول الخليج (السعودية والإمارات والكويت) الداعمة لمصر وتأكيدهم المستمر على ثبات هذا الدعم واستمراره، وإعلانهم عن حجم جديد من الاستثمارات، إضافة إلى ما قدموه خلال السنوات الأربع الماضية يبلغ 12 مليار دولار، كانت القاطرة التي شدت معها هذا الحجم الكبير من الاستثمارات العالمية التي تم إعلانها في المؤتمر.


لكن الأهم من ذلك كله إجماع الدول الأشقاء على أن الاستثمار في مصر استثمار في الأمن العربي، لأن مصر تمثل خط الدفاع الأول والأخير عن  أمتها العربية ضد الإرهاب، ولأن قوة مصر تشكل إضافة قوية لعالمها العربي كما قال ولي العهد السعودي الأمير مقرن في كلمته أمام المؤتمر، ولأن المال العربي لا يمكن أن يكون أغلى من الدم المصري، كما قال الشيخ محمد بن راشد المكتوم نائب دولة الإمارات وحاكم دبي تذكيرا بمقولة الشيخ زايد (يرحمه الله)،ولأن الاستثمار في مصر استثمار في المستقبل، واستثمار في قوة العرب واستقرار الشرق الأوسط، فضلا عن حب  شعب الإمارات للشعب المصري كما قال الوزير الإماراتي الهمام سلطان الجابر.


ولا أظن أن أحدا يمكن أن يختلف على الدور الرئيسي الذي لعبه الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي نجح في تخطيط الملعب على نحو متميز قبل بدء المباراة، وقدم مصر إلى مؤتمر شرم الشيخ في صورة بهية ذكية، دولة شابة 60% من سكانها دون الأربعين عاما، هدفها الأول تحسين حياة شعبها، تدافع ولا تعتدي، وترفض ابتزاز الإرهاب وتصر على مقاومته واقتلاع جذوره دفاعا عن أمنها وأمن عالمها العربي وأمن العالم أجمع.


لكن الدور الذي فاق أدوار الجميع، وكان له أثره الحاسم على نجاح المؤتمر، وألزم المجتمع الدولي ضرورة تغيير مواقفه تجاه مصر، ورسخ اعتقاد الجميع بأن الاستثمار في مصر استثمار في أمن الشرق الأوسط وأمن البحر الأبيض والأمن الأوربي، هو موقف مصر الشجاع بكل قواها المدنية وقدراتها الأمنية والعسكرية يدا واحدة تحارب الإرهاب، وتصر على هزيمته، واجتثاث جذوره وترفض أي حلول وسط معه.


ولا يعني جميع ذلك أن الطريق مفروش بالورود، وأن مصر لن تجابه أية مشاكل وتحديات تعوق طريق الاستثمار في المستقبل القريب، على العكس ثمة مخاطر عديدة.


أولها أن جماعات الإرهاب، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، سوف تحاول استنزاف هذا النجاح، وكبح جماح موجة التفاؤل التي سادت المصريين، وجعلتهم في فرح غامر، ونشر روح الإحباط لقتل هذه الآمال قبل أن تكبر وتزيد من عزم المصريين وتصميمهم من خلال تصعيد عملياتها الإرهابية.


الأمر الذي يتطلب المزيد من اليقظة، ومقاومة الاسترخاء، وسد الثغرات التي ينفذ منها المخربون، وإحكام الخطط التي تحاصر الإرهاب وتستهدف تصفيته.


وثانيهما أن النجاحات التي تحققت في شرم الشيخ، تبقى في النهاية مجرد خطط ووعود وآمال، يرتبط تنفيذها بمدى قدرة المصريين على استيعاب هذا الحدث المهم، ومدى استطاعة حكومتهم  الاستمرار في سياسات الإصلاح الاقتصادي، دون أي تردد أو نكوص، ومبلغ شجاعتها في مقاومة التسيب والإهمال من خلال عقوبات رادعة، تلزم الجميع الانضباط وتحسين الأداء، والحرص على الجودة والإتقان، وحجم تصميمها على سد ثقوب الفساد، التي تعطل قوانين السوق، وتضرب تكافؤ الفرص وتقتل الشفافية والحماس.


وثالثها ألا يتعجل المصريون الثمار قبل الأوان، وأن يعرفوا جيدا أنهم المسؤولون أولا وأخيرا عن نجاح مشروعهم التنموي الضخم، الذي لن يتحقق على أرض الواقع، إلا بالمزيد من الجهد والعرق، ويدركون جيدا أن محاولة إثارة المطالب الفئوية بدعوى أن الدولارات تنهمر على مصر كالمطر، يمكن أن تكون جزءا من مؤامرة تستهدف إحباط فرص النجاح، لأننا إزاء قروض واجبة السداد في مواعيد محددة، وأن يكونوا على يقين من أن مصر لن تخذل أبدا أبناءها وشبابها، وأن ثمار التنمية وعائدها سوف تتوزع على كل فئات المجتمع المصري، تحقيقا للعدل الاجتماعي، ولأن ذلك يشكل الحافز الأكبر على استمرار مسيرة التنمية المستدامة.