التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:21 م , بتوقيت القاهرة

اللحية والكوسة وغزو الفضاء (1)

في جلسة ممتعة مع مجموعة من الشباب في المرحلة الثانوية، سألوني السؤال الأزلي الذي يستمر باستمرار الكون. تماما كالراحلة صباح وأهرامات الجيزة وحواوشي أبو عماد.. هل حلق اللحية حرام. وإعفاؤها فرض..؟ وكان الحوار بيننا طويلا مثمرا.


قبل أن أتحدث عن اللحية.. حكيت عن الدكتور عصام حجي، مستشار الرئيس العلمي السابق، وأنه عمل لدى وكالة "ناسا" لأبحاث الفضاء ضمن مشروع مكوك الفضاء كيريوستي CURIOSITY الذي ذهب لاستكشاف كوكب المريخ، وهو مشروع تكلف 2 ونصف مليار دولار. ومعدل الخطأ يجب أن يصل إلى صفر.. لماذا المريخ.. ولماذا كل هذه المليارات..؟


لأن المريخ هو الكوكب الشقيق للأرض. المريخ أصيب بالتصحر بينما الأرض مازال كوكبا أزرق فيه ماء.. لو استطعنا فهم طبيعة المريخ، التصحر والتغير المناخي، نسطتيع فهم لماذا وكيف ومتى حدث هذا التصحر، لنحمي كوكب الأرض من مصير مشابه.


الإنسان لا يستطيع الدخول في حرب ضد الطبيعة، لكنّه يستطيع فهمها. احتواءها. استباق خطواتها ليمنع خطرها.


الحديث عن التغير المناخي ليس أمرا رفاهيا يخص العلماء أو يخص معدي برامج ناشيونال جيوجرافيك.. بل يخص مصيرك ومصيري. مصير أسرتك ومستقبل الفتاة التي تحبها. ارتفاع درجة الحرارة درجة مئوية واحدة يقلل الإنتاج الغذائي 10 – 15 % سنويا.


مركز بحوث الصحراء يقول إننا فقدنا  3 ملايين فدان خلال ربع قرن. محافظة الفيوم فقدت ربع المساحة المزروعة خلال عشر سنين. نحن نفقد كل عام 25 ألف فدان، وخلال أربعين سنة قد نفقد ربع المساحة المزروعة في مصر، في حين أن الطلب يزيد نظرا للزيادة السكانية. نصف الغذاء نستورده من الخارج. لدينا أزمة عملة صعبة. هل من الممكن أن نكون مهددين بمجاعة ؟ الأشياء السيئة لا تحدث للآخرين فقط.


عام 1967 وقف جمهرة من الأمريكان أمام وكالة الفضاء والطيران الأمريكية NASA يرفضون إهدار أموال دافعي الضرائب على مشروع هزلي يتمثل في الصعود للفضاء.. ما فائدة هذا الهراء.. بل كان لبعضهم اعتراضات دينية على ما يحدث.


وهنا وقف رئيس الوكالة، وقال لكل العاملين بشجاعة، لسنا هنا لنستجيب لوعي الجماهير بل لنغير هذا الوعي. وقد كان.


يقول الله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) 53 فصلت.


الغريب أننا توقفنا عن البحث عن آيات الله في الآفاق، واكتفينا بالنظر أسفل أقدامنا.. فهل نحن مؤمنون عن يقين لرؤية الحق. أم مجرد إيمان تقليدي عمياني جاهل؟!


وماذا عن اللحية..؟ آه يا وجعي.


الحديث في الصحيح (أطلقوا اللحى حفوا الشارب وخالفوا اليهود).


كثير من الفقهاء قال إن اللحية واجبة. بل وصل الأمر بالبعض أن قال إن حلقها من الكبائر. لكنهم يتناسون آراء فقهاء آخرين قالوا إن حلق اللحية ليس حراما. منهم:  أبو محمد الجويني وأبو اسحاق الاسفراييني (الشيخان) من الشافعية، والقاضي عياض من المالكية، ورواية عند الإمام أحمد بن حنبل. وردت في الانصاف للمرداوي.


حجتهم أن أمر الرسول هنا بمخالفة اليهود هو لمخالفة العرف والعادة وليس أمرا عباديا.


الحديث يقرن اللحية والشارب ببعض.. توفير اللحية. وحلق – حف – الشارب. إلا أنك تجد الصحابي الكبير عمر بن الخطاب كان يفتل شاربيه.. يعني شاربه كبير لدرجة أنه يفتله.. لماذا لم يلتزم عمر بن الخطاب؟ بل لم نجد صحابيا واحدا يلمه على فعله. لم نجد رسول الله ينهاه أو ينهره. أيضًا الإمام مالك بن أنس إمام المدينة كان له شارب كبير. ولما سألوه قال بذات الشيء.


نفهم من ذلك أن الأمر هنا ليس للوجوب. بل التخيير.. وأنه ليس أمرا دينيا، تشريعي، بل أمر دنيوي يتعلق بالتقاليد والعادات. ومن أجل ذلك يقسم العلماء كلام الرسول لعدة أقسام.. الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الشريف، يقول إن أوامر الرسول منها ما يبلغه عن ربه من أحكام دينية. وأحكام تتعلق بالحكم والقضاء. وثالثة تتعلق بالحروب والمعاهدات.


وقال إن الحكم الملزم فيها هو تصرفاته الدينية فقط. أما تصرفاته الدنيوية المتعلقة بالحكم والقضاء والحروب فهي أمور دنيوية تخضع للمصلحة وتغير الأحوال.


ولي الله دهلوي، ميز بين تصرفات الرسول الدينية التي يبلغ فيها عن ربه وفيها ورد قول الله (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).. وبين تصرفاته الدنيوية والتي ورد فيها حديث صحيح مسلم (فإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر).. فالرسول يقر بشريته القابلة للصواب والخطأ فصلا وتمييزا عن أوامره الرسالية.


ابن قتيبة، قال إن السنة في الدين وليس في المأكل والمشرب. فالرسول كان يحب القرع – الكوسة – فهل أكل الكوسة سنة عنه .. الأمر بديهي.


لكن هل هناك أدلة على جواز مخالفة أوامر الرسول الدنيوية؟
نجيب في المقال القادم إن شاء الله..