الحوار مع إيران
إيران- بالتأكيد- دولة إقليمية مهمة في منطقة الشرق الأوسط، ويمتد تأثيرها للأوضاع في العديد من الدول العربية منها العراق وسوريا واليمن، بالإضافة إلى نفوذها على حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة.
علاقة مصر بإيران اتسمت بالتوتر منذ قيام الثورة الإسلامية ووصول أيات الله للحكم في طهران، فتم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وفشلت كل جهود إعادتها في عهد الرئيس السابق حسني مبارك؛ بسبب الموقف الإيراني، الذي رفض تغيير تسمية الشارع الذي يحمل اسم خالد الإسلامبولى قاتل الرئيس السابق أنور السادات.
ولكن العقبة الرئيسية في ذلك الوقت تمثلت في الانقسام داخل إيران بين قوى متشددة وأخرى معتدلة وانقسامها حول إعادة العلاقة مع مصر.
إيران اعترفت بانتخاب الرئيس السيسي، وأرسلت برقية لتهنئته، وهو موقف يختلف عن الموقف التركي الذي مازال يرفض الاعتراف بالأوضاع الجديدة في مصر.
مصر لا تمانع قيام إيران بتطوير برنامج نووي للأغراض السلمية فهذا حقها، كما هو حق مصر، والبلدان التي قامت بالتوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والتي تتيح لهم الاستخدام السلمي للطاقة النووية تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الجديد في هذا الأمر أن الولايات المتحدة دخلت في تفاوض جاد مع إيران بشأن برنامجها النووي لضمان الاستخدام السلمي لهذا البرنامج، وأعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن بلاده سوف تسعى لإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي مرة أخرى في حالة التوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي.
هل تؤدي هذه الأحداث إلى تطور في العلاقات المصرية الإيرانية؟
هناك بالتأكيد عددٌ من القضايا تقرب بين مصر وإيران منها الموقف من الأزمة السورية، فمصر تؤمن بضرورة الحل السياسي لهذه الأزمة، وتخشى من أن إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد قد يؤدي إلى خلق فراغ سياسي سوف تملؤه القوى المتطرفة، والموقف الإيراني يؤيد أيضًا الحل السياسي في سوريا.
تطور العلاقات "المصرية – الروسية" يصب أيضًا في مسار تحسين العلاقة مع إيران، لعلاقتها القوية مع موسكو. ولكن بالرغم من هذه الجوانب الاتفاقية، إلا أنه مازال هناك نقطة خلاف رئيسية تعوق تحسين العلاقة بين البلدين وتتعلق بسعي إيران للتأثير في الأوضاع الداخلية للعديد من الدول العربية وخاصة دول الخليج.
دول الخليج وخاصة المملكة السعودية لا تقلق من البرنامج النووي الإيراني قدر قلقلها من قيام إيران باستخدام الأقليات الشيعية للتأثير على أوضاع دول الخليج، وتقلق أيضا لتسارع وتيرة الجهود الأمريكية للوصول لاتفاق نووي مع إيران وإعادة دمجها في النظام الدولي دون أن تأخذ عليها التعهدات الكفيلة بوقف تدخلها في الشؤون الداخلية العربية. كذلك لا تتحمس المملكة السعودية لفكرة الحل السياسي فى سوريا واستمرار الرئيس بشار الاسد، وترى أن إيران هي الداعم الأساسى له.
كيف تتعامل مصر مع إيران فى ظل هذه التطورات المختلفة؟
لا أعتقد أن الوقت مناسب لعودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر و إيران. ولكن هذا لا يمنع فتح قنوات للحوار بين البلدين حول القضايا الإقليمية المختلفة، وخاصة القضايا المرتبطة بالتدخل في منطقة الخليج.
الحوار يُمكن أن يتم على مستوى وزارة الخارجية، أو من خلال مبادرة تتبناها جامعة الدول العربية للحوار مع إيران. الشرق الأوسط يتغير، وعلينا أن نكون مستعدين لتداعيات اتفاق نووى بين الولايات المتحدة وإيران.
لا يُمكن تجاهل إيران في أي ترتيبات أمنية مستقبلية للشرق الأوسط، ولكن دمجها في نظام إقليمي جديد بالمنطقة، يتطلب تخليها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهي القضية التي يجب أن تحتل الأولوية في أجندة الحوار معها.