التوقيت السبت، 02 نوفمبر 2024
التوقيت 11:37 م , بتوقيت القاهرة

اليوم العالمي للمرأة

كان الرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول ويكرر: "أنا ابن العواتك من سليم". عواتك جمع عاتكة وهو اسم جدته. والاسم متكرر في عائلته، فنسب الرسول نفسه إلى امرأة، واحتفى باسمها ولم يجد في ذلك حرجا ولا نقصا لرجولته. وعندما وقف أمامه أحد الرجال مرتعدا، من هيبته ومكانته، ربت على كتفه وقال هون عليك لست بملك، ولكني ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد.

مرة ثانية يُطمئِن الناس بذكره لأمه أو بذكر النساء عموما. ويتواضع مع البشر بحديثه عن انتمائه لامرأة.

وأول ما نزل الوحي فرّ مهرولا إلى خديجة يحتمي بها. وصدقته وآمنت به واحتوته في حضنها، وحملت قضيته، وذهبت به إلى ورقة بن نوفل الراهب تعرض عليه الأمر. ثم ظلت سندا له طوال عشر سنين حتى انتقلت إلى جوار ربها.

النبوات الكبرى كلها نبتت في ظل امرأة. بدعمها وصلابتها وصدق عاطفتها وتضحيتها.

موسى النبي، وهو في المهد، أخته هي التي مشيت ورائه تحرسه وتقتفي أثره. ودخلت إلى بيت فرعون وغامرت بحياتها، واستجمعت شتات قوتها المتناثرة، وتحدثت معهم، وابتكرت حيلة حتى يعود إلى أمه. وداخل القصر من صنعت منه رجلا هي امرأة فرعون.

ولما فرّ هاربا بعد أن ارتكب جريمة قتل خطأ، والتقى بالفتاتين وسقا لهما، ثم عادتا إلى أبيهما واحدة منهن هي التي عرضت على أبيها أن يضم موسى إلى الأسرة. وتزوجت منه ورافقته حتى التقى ربه عند الوادي المقدس.

وعيسى منسوب إلى أمه. عيسى ابن مريم. رغم أن القرآن يذكر اسم النبي فقط ولا ينسبه إلى أحد. فلا يهتم بذكر أبيه. مثل موسى وإبراهيم ومحمد ويوسف ونوح وهود.. إلخ.  فكان من الممكن أن يقول عيسى فقط. ولكن تمجيدا لها نسب لها واحدا من أعظم الأنبياء. وهي التي حملت عيسى صبيا وتحملت الألم ونظرات الناس وسياط ألسنتهم واتهامهم لها بالزنا هي.

ونبي الله إسماعيل من حملته في حضنها وغامرت بحياتها في الصحراء، كانت أمه هاجر "المصرية" ، وظلت تطوف بين الجبال حتى ترى قطرة ماء بعد أن أيقنت بالهلاك. إلى أن أنجدها ربها. ونحن في الإسلام نتعبد إلى الله في شعيرة الحج ونطوف الأشواط تخليدا لذكرى امرأة مصرية..!

وفي العصر الأول للإسلام بعد وفاة الرسول، قام المسلمون بجمع أوراق القرآن في كتاب واحد؛ ليكون أول مصحف في الإسلام، ولم يكن منه سوى نسخة واحدة، واختار المسلمون السيدة حفصة ابنة عمر ليحفظوه عندها. فحفظ القرآن لدى امرأة. رغم وجود رجال أشداء وصحابة كبار. ورغم أن المهمة جليلة تحتاج إلى يقظة وقوة وأمانة. وكلها قصص صمود وصبر وتضحية وعاطفة صادقة. هكذا كانت حياة الأنبياء. ولم تكن يوما شيئا يسيرا سهلا بلا معنى. فالصمود هو الذي يعطي للحياة معنى.

وفي بيعة العقبة جعل النبي المرأة ممثلة عن نفسها ونائبة عن إرادتها ولم يعط السلطة لزوجها أو أبيها، وهو الحق السياسي الأول في الإسلام. رغم أن هذا الحق النيابي لم تأخذه المرأة الحديثة في بريطانيا إلا بعد الحرب العالمية الأولى عام 1922، وفي فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945.

وفي الحروب كان النبي يغزو بالنساء ويعطيهن مثل نصيب الرجال.. وفي الميراث توجد حالات تتساوى فيها المرأة بالرجل. وحالات تزيد فيها على الرجل. وحالات تحجب المرأة الرجل. وفي كل لو زاد الرجل على المرأة فكان ذلك لأنه مسؤول عن التزامات مادية أكبر. فالإسلام لا يعطي حقا إلا وفي قبالته مسؤولية. والمرأة راعية في بيت زوجها. فهي لديها سلطة ومسؤولية. وليست مجرد أداة للمتعة أو القمع.

وأعطاها الرسول  حق التصدق على زوجها لو كان فقيرا. وجعله من طيبات أعمالها. ولا يجوز للرجل أن يعتدي على مالها إلا بإذنها ورضاها وطيب خاطرها، وإلا كان (بهتانا وإثما مبينا).

وشهادة المرأة كانت تعدل نصف شهادة الرجل في الأمور المالية تحديدا، وذلك لعدم اعتيادها مجال التجارة والحسابات الرقمية والدقة العددية، وكان الهدف هنا بالأساس هو حفظ المعاملات وإثبات الحقوق. فلو تغير الأمر وصارت المرأة عليمة بهذه الأمور تغير الحكم. لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما.

وأذن الرسول لإحدى النساء أن تؤم - تصلي إمام- بأهل بيتها حتى لو كان فيهم أبناؤها الذكور والموالي. ومنها أخذ الإمام الطبري جواز إمامة المرأة للرجل  ما لم يحدث ضررا وطالما كانت عليمة بالقرآن.

ولدينا في الإسلام من نسب إلى أمه واشتهر بذلك. مثل أحمد ابن تيمية. وتيمية هو اسم جدته لأنها من ربته صغيرا حتى اشتهر بها (مثل أن نقول الواد ابن سعاد أو ابن هالة).  كذلك محمد بن الحنفية. وهو ابن سيدنا علي، وأخو الحسن والحسين ولكن من أم ثانية غير السيدة فاطمة. فنسب إلى عائلة أمه تمييزا عن أبناء فاطمة.

وعندما تحدث الله عن علاقة الزواج قال (خلق لكم من انفسكم) أي أنها جزء منك. مساوية لك في المكانة والوجود. وهي كلمة تمنح العاطفة. فأنت تحافظ عليها كما تحافظ على نفسك. وترعاها بما ترعى به نفسك. وتطلعها على كل أسرارك بلا خوف أو خجل. وهذا هو أصل العلاقة.

والتوراة في سفر التكوين، قالت مثيلا لذلك، إن الرجل يترك أمه وأباه وأخته وأخاه ويذهب ليبحث عن جزء تائه منه. يكمل بها وجوده. وأن آدم في الجنة لم يأنس للشجر والمتاع وحفيف الملائكة وشعر بالوحشة، فلم يهدأ إلا بعد أن أتت المرأة. فأنسته وحدته وأحزانه وصارا مكتملا بها.