صوارم الكاذبين
لو كان هناك وصف مناسب لجماعة الإخوان وتوابعها المتحالفة من فرق الإسلاميين السلفية، لكان وصفهم بالكاذبين، فمساحات الكذب الهائلة الممنهجة منها والعشوائية، في أحاديثهم ومجادلاتهم تطغى على أي صفة أخرى.. فإذا كانت جماعة حسن الصباح في القرن الخامس الهجري، قد سميّت بالحشاشين، فجماعة حسن البنّا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين، وجب أن تُنعت بالكذّابين.
ولا شك أن الكذب الذي يُروج له ضمنيا بأحاديثهم، تحت باب "المعاريض" أو بفكر "التقية" أو "درء المفاسد" أو "جلب المنافع"، هو من الأمور المعتادة والمستحبة لديهم، فالإسلامي كذب ولفّق وادعى كثيرا، حتى كُتِب عند الله كذّابا، ولكنه يعتقد بشدة أن الله راضٍ عنه، وسيرضى عنه أكثر كلما زاد كذبه مهارة وإقناعا وإتقانا محبوكا، فهؤلاء الكومبارس المنتشرون بالأرض وأطرافها من غير الإسلاميين, ليسو سوى محكات الاختبار الديني للفئة المنتقاة الناجية المحببة إلى الرب الإله، من أتباع الشريعة سواء بناوية أو سلفية، لذلك هم لا يجدون أدنى غضاضة في ممارسة الكذب على غيرهم من البشر، تحقيقا لكسب أو درءً لخسران.
دوره فقط هو أن يراوغ هذا ويهزم ذاك، منتظرا لتحقيق الوعد الإلهي الذي ينتصر فيه كمؤمن على ما عداه من البشر الكومبارس, ويخلو له وجه الأرض يحكمها، ثم في المستوى الأخير من الجيم، يدخل الجنة مكافأة على مراوغته الماهرة، ويستقر الكومبارس بجهنم، فيخرج لهم لسانه، وهكذا تكتمل حكمة الحياة لدى أنصاف البشر.
لكن قلما تجد إسلاميا يمتلك الشجاعة، ليصرح بما يُضمر في مكنون نفسه، فالإسلامي تنتابه الصراحة فقط إذا ما أمن العقاب، كأن يغترب بأرضٍ بعيدة، في كهوف أفغانستان أو بحدود باكستان، أو بجبال الشام أو بمغارات سيناء، وهى صراحة مقترنة بالغل وتفريج المكبوت وإظهار المسكوت بشأنه طويلا، وتبعد عن الشجاعة والرجولة آلاف الأميال.
فالصورة التقليدية التي يلوح فيها أحدهم بسيف يمنة ويسرة تهديدًا ووعيدًا، لا تصدر إلا من رخيص أو مجرم قديم يود تنظيف سمعته، ولن تجد لها مثيلا في صفوف جيوش نظامية محترمة.
ففي موطنه الأصلي وبين أهله تجده يروج لذاته بصفته حامل التسامح والأخلاق بالحي, المنوط به تحقيق المستقبل المُبهر مع ورثة الخلافة السماوية والأرضية، فإذا ما بلغ به الضجر واليأس، وواتته الفرصة للتمكين أو الهجرة لتطبيق مبادئه التي خبأها تحت جلده كثيرا حتى استفحلت وطفحت، فتجد نموذجه الأمثل الداعشي الهزيل "إسلام يكن" أو صديقه الوادُّ في تحقيق مغفرة من خطاياه على حساب دمائنا الملقب بالغندور، وهو غندور بالفعل يحاول تغيير مسار تفاهته من رفقة كواعب الدنيا إلى كواعب الآخرة، أو كهؤلاء القيادات التي تحرِّض على القتل والتفجير صراحة من استوديوهات الدوحة وإسطنبول، بعكس أحاديث الوداعة الطافحة الباهتة السابقة باستوديوهات القاهرة.
بالأمس أعيد نشر تسجيل التحقيق مع صفوت حجازي يتبرأ خلاله من إخوانيته، ويتحدث مذعورًا كفأر محاصر، بينما في السابق، حين استشعر التمكن من حكم مصر، طلب من غير الإسلاميين أن يبحثوا لهم عن أرض بديلة!
الكذب الذي تمكن من الإسلاميين، حتى صار جزءًا من تكوينهم, هو ما جعلهم يقيمون بالأمس صلاة الغائب على شهيدهم المزعوم "محمود رمضان" قاتل أطفال الإسكندرية، المسجلة جريمته بالصوت والصورة، عقب إعلان تنفيذ حكم الإعدام فيه. وهو المبرر للضجة المفتعلة المصاحبة لإعدامه، ولم يكن غريبا أن نفرا من النشطاء والحقوقيين يقيمون مآدب التأبين على روح الشهيد القاتل، فمن يطلق على يوم 28 يناير لمدة أربع سنوات صفة "السلمية"، هو بالضرورة يمتلك نفس الأدوات.
الكذب يستفحل حتى صار الإخواني ورفاقه لا يستطيعون الآن أن يميزوا بين ما يدعونه وما يقتنعون به في قرارة أنفسهم، اختلط الواقع بالكذب, حتى امتزجا واحدا يستحيل الفصل بينهما.
الإسلامي يقينه امتزج بالدماء كما امتزج بالإفك, فمن استحل الدماء، استحل معها الأموال، واستحل قبلهما الأرض، واستحل استلاب عقول البسطاء بالكذب.
يساعد في تمكن الكذب منه، ما تربى عليه من الخلط بين ما هو كائن وما يجب أن يكون، فكثيرا ما تسمع من أحدهم عبارة "المسلم لا يسرق" أو "المسلم لا يسب" في معرض دفاعه عن نفسه, هو حقيقة يصعب عليه الفصل بين "المسلم لا يسرق" و"المسلم لا يجب يسرق" واستحال التمييز فعليا بينهما، فمجرد تخيل أن المسلم الحق الذي هو "الإسلامي" فقط يقع في الخطأ كسائر البشر، تُحدث له ربكة عقائدية، لا يمكنه الإفلات منها, فطبيعة تصميمه كفرد "مُبرمَج" ضمن صفوف الطاعة بالجماعة، لم تجعل لديه إمكانية التخيل أو الفصل بين المثال والتجربة.
ينهار معتقده بالكامل، إن انكسرت الصورة الطوباوية للتجربة الإسلامية، التي غُرست بداخله عبر سنين التنشئة، ويتحول من تقي هادئ إلى متوتر عنيف خطّاء, ثم لمجرم قاتل فى وقت بسيط.
حتى أن السلفي أنور البلكيمى، حينما حققت معه النيابة في قضية ادعائه الاعتداء عليه وسرقة مبلغ مالي منه، قال أمام النيابة واثقا ومطالبا بالبراءة: مس شيطاني ليس إلا!
هو لا يمكن أن يخطئ كمسلم صحيح الإسلام، لكن عنصر دخيل أسقط عليه الخطأ!
الآن فى واقعة "محمود رمضان" نضج الكذب ووصل لأعلى مستوياته، فالقتل مسجل بالصوت والصورة، والكذب حول الواقعة وصل لإقامة الصلوات وإطلاق لفظ الشهادة على القاتل، وعند تبرير الواقعة، تتلقى سيولا من الأكاذيب، تفسر الأكاذيب السابقة بأكاذيب جديدة.. الإخوانى ورفاقه كتلة متحركة من الأكاذيب المتراكبة.
أضف للكذب نقطة غاية فى الأهمية، وهي أنهم يعتبرون الجميع "الأغيار" ضحايا محتملين لمشروعهم الإسلامي، دماء المجتمع قربان على مذبح مشروع السماء، يضيع من يضيع، فالسماء كما يؤمنون فيما بينهم تقبل دماء الضحايا.. وهو ما يجعلهم يعلنون أحد مجرميهم الذى سقط قتيلا عند تفجيره قنبلة ببنى سويف - يعلنونه شهيدا أيضا!
هم صادقون فى كذبهم لأقصى درجة ..
وإن كان لفظ "الأغيار" مستمدا من التوراة، فإن أقرب صورة يمكن بها رؤية الإخوان ورفاقهم بالداخل الآن، هي صورة عدوهم اللدود، صورة اليهودي القديم السينمائية الكلاسيكية، الأخنف صاحب الأنف المعقوف، المتودد إليك في ود زائف بهدف البقاء جوارك أو التمكن منك إن أمكنه، المُردد لكلمة "حبيبي" بكل عبارة، يتجملون قدر إمكانهم وعلى كرهٍ منهم، وقد بدت البغضاء من أفواههم!
في المجمل يفتقد الإخوان ورفاقهم للرجولة المتوهمة فى مخيلتهم عن أنفسهم، فصورتهم الذهنية عن أنفسهم كرهبان بالليل وفرسان بالنهار، تكشف عنها تسجيلات القبض على مجرميهم، وتسريبات قياداتهم المرتعشة.
وأخلاقهم المزعومة سقطت على صفحات الإنترنت، وعلى جدران الشوارع المصرية، ببذاءات بحثوا لها عن تأصيلات فقهية، وحرائرهم شاهدنا حقيقتهن من خلف خُمر مداراة الوضاعة.
هكذا يستطيع مخادعو الجماعة العيش وسط المصريين بفضل الكذب، وبعيدا عن الأعين يدبرون ما يمكنهم أن يدبروه، ليستيقظ المصريون كل صباح على ضربة جديدة.