التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:43 ص , بتوقيت القاهرة

لا للدفاع المشترك.. ونعم للتحالف الإقليمي

في عام 1950 كان هناك سبعة أعضاء في الجامعة العربية (مصر- سوريا- لبنان- الأردن- العراق- السعودية- اليمن) اشتركت جميع هذه الدول عدا الأخيرتين في حرب فلسطين بشكل رسمي، كان هذا سببًا في شعور دول الطوق بالتهديد من إسرائيل بعد نهاية الحرب، لهذا كان التهديد الإسرائيلي هو الدافع الأساسي لتوقيع اتفاقية الدفاع العربي المشترك.


وبالإضافة للشق العسكري الذي نتج عنه تأسيس مجلس الدفاع المشترك، فإن الاتفاقية لها شق آخر اقتصادي نتج عنها إنشاء المجلس الاقتصادي الذي سيتغير اسمه إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي بعد ثلاثة عقود من ذلك التاريخ.


ومن الملاحظ هنا أن الاتفاقية بالذات في شقها العسكري ولدت ميتة بالنسبة لأي طرف لا يشعر بتهديد حقيقي من إسرائيل، فاليمن مثلا تحفظت على أي شيء يلزمها بالتدخل حال العدوان على دولة أخرى، إذا كان هذا العدوان نتيجة معاهدات أو تحالفات أو وجود قوات أجنبية على أراضيها، وتحفظت على كون قرارات مجلس الدفاع المشترك ملزم لها باعتبار موقعها الجغرافي بعيد، الاتفاقية دخلت حيز التنفيذ ولكنها ظلت حبرًا  على ورق.


المهم أن الدول العربية انضمت للاتفاقية تباعًا وصدقت دول  مختلفة عليها، وانضم الجميع عدا عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وانضمت دولة فلسطين نفسها للاتفاقية عام 1976 بعد الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية  باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني قبل ذلك التاريخ بعامين في قمة الرباط، ولكن الاتفاقية لا زالت غير مفعلة.


ومنذ جريمة قتل المصريين في ليبيا على يد داعش، يتكرر بشكل يومي الحديث عن تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك،  فبينما دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية  نبيل العربي إلي إعادة تفعيل المعاهدة، فإن الرئيس السيسي  قال في كلمته المتلفزة أن الجيش المصري سيدافع عن  مصر وعن المنطقة  إذا اقتضت الضرورة وبالتنسيق مع الأشقاء العرب، ومن جهة أخرى قامت الإمارات ومن بعدها البحرين بإرسال قوات للتضامن مع الأردن بعد قتل معاذ الكساسبة، في حين أعلن الرئيس السيسي بنفسه  أن الإمارات والأردن عرضا إرسال قوات لمصر  بعد جريمة داعش في ليبيا.


لماذا يكثر الحديث إذن عن هذه الاتفاقية؟ ببساطة لأنه في وجود منظومة تهديد من إيران ثم من تركيا والإخوان وحلفائهم يصبح استدعاء مضمون الاتفاقية مهم لكثير من الأطراف التي تسعي لضمان الاستقرار بالتعاون مع أطراف إقليمية وهو الموقف الذي توجد فيه مصر والأردن  بالذات.


ولكن هناك صعوبات عديدة تحول دون تفعيل الاتفاقية بشكلها الحالي، وأهم هذه الصعوبات ما يلي:
1- أن هناك عددا من الدول العربية يمر بحالة انقسام وتوجد فيه أكثر من حكومة أو أكثر من سلطة على الأرض ( ليبيا – سوريا- العراق- اليمن - الصومال- فلسطين ) بالإضافة إلى لبنان التي تعاني من غياب الاستقرار وضعف سلطة الدولة، وهناك أنظمة أخرى معزولة دوليًا  إلى حد كبير كالسودان .
 
2-  الدول الأخرى الأكثر استقرارًا ليس لها موقف موحد تجاه هذه الصراعات نفسها. فالجهة التي تعترف بها مصر في الصراع الليبي غير الجهة التي تعترف بها قطر، والجهة التي تعترف بها الجزائر في الصراع السوري  غير الجهة التي تعترف بها السعودية.

3- الدول الأكثر استقراراً بينها حالة من الصراع قد يصل للعداء، فهناك صراع مصري قطري وآخر سعودي قطري وثالث جزائري مغربي  وهكذا.

4- التحالفات الإقليمية للدول مختلفة فسوريا  لديها معاهدة دفاع مشترك مع روسيا، وأخرى مع إيران، بينما العراق وقع اتفاقية دفاع مشترك مع إيران، بينما قطر لديها اتفاقية دفاع مشترك مع  الولايات المتحدة ومع بريطانيا ومع تركيا، والأردن لها اتفاقية دفاع مشترك مع البحرين، والسعودية لديها اتفاق مع الولايات المتحدة، وعمان وقعت معاهدة دفاع مشترك مع إيران عام 2013،  بينما ترتبط دول الخليج معا  باتفاقية دفاع مشترك. وبالتالي فبعض الدول متحالفة مع خصوم لدول أخرى .

5- المادة الثانية لاتفاقية الدفاع العربي المشترك  تجعل أي اعتداء على دولة منها  أو على قواتها اعتداء عليها جميعًا، وهذا المبدأ معناه أنه لو تم تفعيل الاتفاقية بهذا الشكل، فإنه ينبغي في حالة الحرب الداعشية  ضد القوات السورية أو العراقية، أن يتم  إرسال قوات من بقية الدول لدعمها، وهو أمر بالطبع غير محبذ  لتكلفته البشرية والمادية، ثم لسبب أهم أنه لا يعني بقية الأطراف لكونه يحقق مصلحة لإيران  ومحورها بالأساس.

6-  ثم أن نفس المادة قد تهدد دولا بعينها بفوضى عارمة؛ نتيجة أي تصرف غير مسؤول من دول أخرى، فالمادة العاشرة تلزم الدول  بعدم عقد أي اتفاق دولي يناقض الاتفاقية  وهذا الاتفاق  كل الأطراف تنقضه باتفاقات ثنائية لها مع إيران أو إسرائيل أو الولايات المتحدة الخ.

 وبالتالي فإنه لو اندلعت حرب بين إسرائيل  من جهة ولبنان أو سوريا، فإن مصر والأردن سيتوجب عليهما في حال أصبحت الأولوية لهذه الاتفاقية بشكلها الحالي على اتفاقياتهما  مع دول أخرى، التزامات لا ترغب فيها  مثل خرق معاهدة السلام نتيجة لسياسات هم غير مسؤولين عنها.

7-  وبخلاف هذا كله فدولة فلسطين معترف بها  كعضو في الجامعة وهي موقعة علي الاتفاقية ، ويمثل إقليم الارض المعترف به منطقة الضفة الغربية والقدس أي حدود الرابع من يونيو 1967، وبالتالي تفعيل الاتفاقية دون وضع تعديل قد يقتضي تدخلا عسكريا فوريا لطرد القوات الإسرائيلية من مناطق 1967 وهو بالطبع أيضاً أمر لا يفكر فيه أحد.

8- أن مجلس الدفاع المشترك المنبثق عن الاتفاقية تُعتبر القرارات الصادرة عنه ملزمة للجميع، وهي قرارات تتخذ بأغلبية الثلثين ولكل دولة صوت واحد، مما يعني أن دولا قد تتورط في مغامرات بقرار تتخذه دول أخرى قد لا تشارك في الحرب أصلا، وبالطبع فهذا المبدأ لا تقبله أي دولة وبالأخص الدول التي قد تحارب بشكل فعلي.

9- أن بعض السوابق تسببت بكوارث لأطرافها فاتفاقية الدفاع الثنائي بين مصر وسوريا تسببت بكارثة لمصر في حرب 1967؛ نتيجة قيام الحكومة السورية باستخدام حدودها لتهريب الفدائيين الفلسطينيين إلى داخل إسرائيل للقيام بعمليات ، ثم عندما تأزمت الأمور أعلن عبد الناصر أن أي عدوان علي سوريا يعتبر عدواناً على مصر كرد على ما اعتبر حشودا إسرائيلية علي الجبهة السورية. وبالمثل فالأردن الذي كان بعيدا عن  المشكلة وقع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر في أواخر مايو 1967 لم ينتج عنها  خسارة الأردن للضفة الغربية بعد أقل من عشرة أيام.

10- أن سوابق العمل الدفاعي  الجماعي المشترك فاشلة لكل هذه الأسباب معًا، وبالتالي فلا توجد ثقة لدى الأطراف بهذه الآلية، بينما يثقون في الاتفاقات الثنائية أو الثلاثية أو تلك التي تضم دولاً سياساتها متقاربة ومتفق عليها بينهم كما حدث في حرب  تحرير الكويت في اتفاق  دول إعلان دمشق.


الخلاصة أن تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك يبدو صعبًا للغاية، لكن يمكن أن يتأسس تحالف يجمع دول مثل مصر والأردن والإمارات والبحرين  وربما الكويت أو حتى السعودية.


المساحة التي تتحرك فيها هذه الأطراف لا تمكنها من إيجاد مساحة كبيرة للمناورة، ربما تملك السعودية  و ربما الكويت مساحة أكبر لاتخاذ مواقف مرنة مع تركيا وقطر  دون المساس بعلاقة قوية مع مصر و باقي الدول، ولكن هذا لا يسري على بقية الأطراف،  فتواجد الإخوان القوي في الأردن، وصراعهم في المعركة الصفرية المفتوحة مع مصر، وتواجد تنظيمات إخوانية  في الإمارات والبحرين، بخلاف التهديد الإيراني القائم باستمرار على البحرين والإمارات.. كل هذا يشجع فكرة اعتماد هذه الأطراف بشكل أكبر على بعضها، خصوصًا أن مصر والأردن ودول الخليج عموما يشعرون بأن الولايات المتحدة خذلتهم في مواجهة إيران عندما مددت النفوذ الإيراني في العراق ثم عندما تخلت عن الحكام ( المعتدلين) لمصلحة تأييد المشروع الإخواني.


التحالف الإقليمي الضيق وليس الدفاع المشترك الواسع هو ما يحقق مصالح أطراف عديدة في هذه اللحظة دون أن يدخلها في معارك لا ترغب فيها، بل أن التحالف الإقليمي بهذه الطريقة سيضمن اتفاقات أخرى ضمنية مع أطراف أخرى في المنطقة وفي إفريقيا وآسيا لا تشكل تهديدًا حقيقيًا.