تصوير محمد أوسام.

تنسيق هندسي جميل، قطع من الرخام الأبيض تتراص واحدة تلو الأخرى كما لو كانت قطع دومينو، تفصل بعضها بين الحين والآخر زهرة الصبار المرة، لتشير إلى الأيام الصعبة التى مرت على هذه البقعة من الأرض.

قرن إلا ربع تقريبا مر على هذه المنطقة، والتى شهدت معركة من أعنف المعارك الحربية فى الحرب العالمية الثانية، معركة ضارية بين القوات الألمانية والإيطالية بقيادة ثعلب الصحراء إرفين رومل وبين القوات البريطانية بقيادة برنارد مونتغمري.

معركة صنفت بأنها من أهم معارك الدبابات على مدار التاريخ، كانت الغلبة فيها فى البداية للألمان، لكن سرعان ما انقلب الوضع بسبب نقص الإمدادات، فشلت حركة تقدم الدبابات وبالتالي استطاعت القوات البريطانية طردهم إلى ليبيا، ومن كل أفريقيا، فكانت بداية انكسار الحلم الهتلري فى حكم العالم.

"مقبرة الكومنولث بالسلوم"، إحدى المقابر الـ20 التى تشرف على رعايتها وإدارتها هيئة الكومنولث البريطاني في مصر، والتي تضم رفات عشرات الآلالف من ضحايا الحروب الأجانب التي شهدتها مصر في القرن الماضي، وتخصص الهيئة مبالغ سنوية للإنفاق على تجميل وتطوير أماكن المقابر.

فى مقبرة "الكومنولث".. لا تستعجب أن ترى صليبا على إحدى قطع الرخام، وترى على بعد أمتار قليلة منه نجمة داود، ثم خفلها تلمح آية "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فمقابر الكومنولث لا تفرق بين أصحاب الأديان، فيدفع فيها من شاركوا فى المعركة سواء كان مسلمين أو مسيحيين أو يهود.

"الكومنولث".. مكان جيد لأخذ العبرات من الماضي، فالحرب انكوت بويلاتها كافة البلدان، وأصحاب الأديان كلها، لم تفرق مدافع جيوشها بين أبيض وأسمر، فالكل سواء وقت الخطر.

بمجرد لا تطئ قدمك المقربة، ستلحظ علامتين بارزتين، صليبا من الرخام يتوسطها، ولافتة على بابها مكتوب عليها "أرض هذه المقبرة هي هبة من المصريين، لتكون قبورا دائمة لجنود الحلفاء الذين قُتلوا، تخليدًا لذكراهم"، منقوشة بالعربية والإنجليزية على مدخل المقبرة كما نقشت فى ال20 مقبرة الأخرى التابعة للكومنولث.

تشهد المقبرة زيارات مستمرة على مدى العام من أهالي الضحايا، الذين يضعون الزهور على مقابر ذويهم، وأغلبهم من الدول الأوروبية وبعض الدول التى كانت فى القديم مستعمرات بريطانية، شارك جنودها فى حروب المملكة المتحدة مع خصومها، ومن ضمنها مصر.