التوقيت الإثنين، 04 نوفمبر 2024
التوقيت 08:04 م , بتوقيت القاهرة

ابدأوهم بالسلام

في رواية البخاري عن عائشة.. أن اليهود كانوا إذا مروا بالرسول قالوا، السام عليك.. يحرفون الكلمة ويضغموها فلا يسمعها الرسول.. لا يسلمون ولكن يدعون عليه بالموت والسأم. فغضبت عائشة لزوجها، وردت عليهم بقسوة.. قالت: لعنكم الله، وغضب عليكم.. نهاها الرسول عما فعلت.. وقال، "يا عائشة، عليك بالرفق.. وإياك والعنف. أو الفحش."


تخيل.. يهود كارهون متطاولون مستهزئون، لا يحسنون الجوار، ولا يحترمون الرسول، حتى على المستوى الإنساني. ورغم ذلك، لم يكن مبررا أن يسمح لزوجته أن ترد عليهم بمثل ما فعلوه. ثم أوصاها بالرفق.. والبعد عن العنف والفحش. حتى مع عدو، قليل التهذب! 


لو أن الرفق هو وصية الرسول في معاملة مخالف في العقيدة، قليل الأدب.. فكيف تكون المعاملة لو كان مهذبا؟ هل هناك شيء يفوق الرفق!


(ملحوظة، الرسول ترك زوجته تدافع عنه، ولم يأنف من ذلك أو يقول "الستات عندنا ملهاش كلمة". فقط أوصاها بالرفق ونهاها عن الفحش.. أيضا كيف لعائشة أن تسمع من يسلمون على الرسول.. هل كانت معه في مجلس عام منفتح ومختلط يراه الناس ويمرون به؟ شيء أشبه بندوة أو اجتماع أو حلقة نقاش؟ فقط أحاول أن أستوعب الظرف الإنساني فيما خلف النص المكتوب.). 


على نقيض ذلك لدينا حديث رواه الإمام مسلم عن سهيل، أنه قال، لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، وألجئوهم إلى أضيق الطرقات.. وللحديث روايات عدة بألفاظ مختلفة. وفي رواية سفيان الثوري، لا تبدأوا اليهود.


حديث سهيل رواه الإمام مسلم في نهاية الباب.. ومسلم في منهجه يروي لأهل الحفظ والاتقان في بداية الباب ثم يترك المختلف في لفظه لآخر الباب.  وأول الباب أورد مسلم حديثي عائشة وأنس في رد السلام، بمعنى أنهما أعلى سندا ومتنا من حديث سهيل. 


ولكن روى جهينة أن هذا الحديث له سبب خاص، عندما خانت يهود بني قريظة العهد مع الرسول وتخلوا عن الدفاع عن المدينة عند حصار الأحزاب، وتواطأوا مع مشركي مكة لصنع كماشة توشك على القضاء على الرسول وصحبه.. الكفار من الخارج واليهود من الداخل. ولما انكشفت الغمامة وزال الخطر، أمهلهم الرسول يوما، وقال لصحابته، لا تبدأوهم بالسلام وألجئوهم إلى أضيق الطرقات، فإني سأسير لهم غدا. 


وهنا تتضح الرواية.. الرسول منعهم من مسالمتهم ومصافحتهم لأنهم نقضوا العهد وارتكبوا خيانة كبرى هددت المؤمنين. وبذلك يتم تفسير الرواية في خصوصيتها التاريخية. 


يدعم ذلك أنه في الصحيح، عن عبد الله بن عمرو، أن رجلا سأل الرسول أي الإسلام خير.. فقال: "أن تطعم الطعام .. وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.." إذن فالسلام واجب على المسلم على كل من يلقاه، سواء عرفه أم لم يعرفه، بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون. 


وباتفاق الفقهاء أن من أعمال البر الكبرى في الإسلام هي إطعام الطعام، دون تقيد بدين متلقي الطعام.. والرسول قال إنه في كل كبد رطب صدقة.. مسلم أو كتابي أو كافر.. إنسان أو حيوان.. حماية النفس وإكرامها وسداد حاجتها أمر شامل في الإسلام. 


وللأسف انقلبت الآية وصارت كل منظمات الاغاثة الدولية منظمات غير مستندة لأرضية إسلامية، بينما صارت أفقر شعوب العالم التي تتلقى المعونات هي الشعوب المسلمة..  يا حسرة على العباد ! ثم يريدون عداء الآخر، بينما نحن من نتسول منه الطعام والدواء والسلاح.. كان أول ما قاله الرسول عندما دخل المدينة، كما روى عبد الله بن سلام، أنه قال: "يا أيها الناس، أفشوا السلام.." 


الخطاب عام مبدوء بـ ، يا أيها الناس .. والمدينة كانت تحوي المسلمين واليهود والوثنيين. والرسول لم يخصص. فالسلام من الجميع للجميع.. وهذا دليل على جودة إسلام المرء. 


وكان الصحابي أبو أمامة، إذا مر على مسلم أو نصراني أو يهودي يبدأه بالسلام، ويقول، أوصانا رسول الله بإلقاء السلام. وهذا ما ذهب له الطبري، وما يوافق ظاهر القرآن، عندما تحدث عن العلاقة مع المشركين المكذبين (سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)  وفي سورة الزخرف.. (وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون . فاصفح عنهم وقل سلام).  أي تجاوز عن أفعالهم السيئة وقل سلام عليكم. 


الآية تضع الطريقة التي يتعامل بها المؤمنون مع غير المؤمنين المعرضين، أن يكون بالصفح والقول اللين بإلقاء السلام.. دون غلظة أو عداوة أو خشونة أو بذاءة.


هل منهجنا مع المخالفين يقوم على آيات القرآن (اصفح عنهم وقل سلام) ! 


هل نقرأ القرآن.. هل آمنا به ! العفو والمسالمة مع الكفار المعرضين هي وصية الله لعباده المؤمنين.. فهل نطبقها حتى مع المسلمين المخالفين؟