التوقيت الأربعاء، 06 نوفمبر 2024
التوقيت 02:00 ص , بتوقيت القاهرة

لماذا حكمت الدستورية ببطلان قانون تقسيم الدوائر؟

أودعت  المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار أنور العاصي، حيثيات حكمها الصادر أمس الأحد، بشأن عدم دستورية نص المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 الخاص بتقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، في مجال انطباقه على الانتخاب بالنظام الفردي والجدول الفردي المرفق به، ورفض الطعون على قانوني مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية.

مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص

أوضحت الدستورية خلال حكمها، الأسباب التي استندت عليها في بطلان القانون، زذكرت أن التزام الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، وفقا لنص المادة 9 من الدستور، معناه أن الفرص التي تلتزم الدولة بإتاحتها لمواطنيها مقيدة بتحديد مستحقيها وترتيبها فيما بينهم، وفق شروط موضوعية، يتحقق بها ومن خ?لها التكافؤ في الفرص والمساواة أمام القانون، وبما يتولد عن تلك الشروط في ذاتها من مراكز قانونية متماثلة، تتحدد على ضوئها ضوابط الأحقية والتفضيل بين المتزاحمين في ا?نتفاع بهذه الفرص، بحيث إذا استقر لأي منهم حقه وفق هذه الشروط فلا يجوز من بعد أن يميز بينه وبين من يماثله في مركزه القانوني، وإ? كان ذلك مساسا بحق قرره الدستور.

ولفتت المحكمة إلى أن قضاءها استقر على أن مبدأ المساواة أمام القانون، يتعين تطبيقه على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والس?م ا?جتماعي، وأصبح هذا المبدأ وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة، وكان من المقرر ايضا أن صور التميبز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إ? أن قوامها هو كل تفرقة أو تقييد أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، سواء بإنكار وجودها أو تعطيلها أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها، على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها.

أضافت المحكمة أن التميبز المنهي عنه دستوريا، هو ما يكون تحكميا، ?ن كل تنظيم تشريعي ? يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها.

تمييز المحافظات الحدودية مبرر

أشارت المحكمة أن المذكرة الإيضاحية لقانون تقسيم الدوائر، أفصحت عن ا?عتبارات الموضوعية التي دعت المشرع لتمثيل المحافظات الحدودية تمثي? يعكس أهميتها الجغرافية، لكونها سياجا للأمن القومي، وذلك على سبيل الاستثناء من قاعدة التمثيل المتكافىء للناخبين، مؤكدة أن هذا ا?ستثناء وإن تضمن تمييزا نسبيا بين مواطني هذه المحافظات وأقرانهم بالمحافظات الأخرى، إلا أنه يصلح أساسا موضوعيا يحمي الدوائر ا?نتخابية بتلك المحافظات من شبهة التميبز التحكمي.

وذكرت المحكمة أن هذا التمييز جاء على أساس موضوعي مبرَّر، تنتفي معه مخالفة تقسيم الدوائر ا?نتخابية بالمحافظات الحدودية لمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة في حق ا?نتخاب.

حق ا?نتخاب

أوضحت المحكمة أن حق ا?نتخاب المقرر لكل مواطن، وفقا لما تنص عليه المادة 87 من الدستور ، يندرج ضمن الحقوق العامة التي حرص الدستور على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها؛ لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصلحة الجماعة، وعلى أساس أن حقي ا?نتخاب والترشيح على وجه الخصوص  متكام?ن، ?تقوم الحياة النيابية بدون أيهما، ومن ثم كان هذا الحقان ?زمين لزوما حتمي؛ا لإعمال الديمقراطية في محتواها المقرر دستوريا، ولضمان أن تكون المجالس النيابية كاشفة في حقيقتها عن الإرادة الشعبية.

استطردت المحكمة، أن نص المادة 87 من الدستور لم يقف عند مجرد ضمان حق كل مواطن في ا?نتخاب والترشح وإبداء الرأي في ا?ستفتاء، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة، عن طريق ممارسته لتلك الحقوق، باعتبارها واجبا وطنيا يتعين القيام به في أكثر المجا?ت أهمية ?تصالها بالسيادة الشعبية، التي تعتبر قواما لكل تنظيم يرتكز على إرادة هيئة الناخبين، ولئن أجاز الدستور للمشرع بنص تلك المادة تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، فإنه يتعين عليه مراعاة القواعد التي يتولى وضعها، تنظيما لتلك الحقوق، على أ? تؤدي لمصادرتها أو تنطوي على التمييز المحظور دستوريا، أو تتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص.

المادة 102 من الدستور 

وضعت المادة 102 من الدستور ضوابط أساسية على المشرع التزامها عند تقسيمه للدوائر ا?نتخابية، وهي مراعاة التمثيل العادل للسكان والمحافظات، بحيث ? تستبعد عند تحديد تلك الدوائر أي من المحافظات، أو الكتل السكانية التي تتوافر لها الشروط والمعايير التي سنها المشرع، والضوابط التي وضعها الدستور، فضلا عن وجوب التقيد بتحقيق التمثيل المتكافىء للناخبين، بما يستوجبه من عدم إهدار المساواة وتكافؤ الفرص في الثقل النسبي ?صوات الناخبين ولعدد السكان- بحسب المحكمة.

وأوضحت المحكمة أن ذلك العدالة لا تعني التساوي بين أعداد من يمثلهم النائب في كل دائرة تساويا حسابيا مطلقا، ?ستحالة تحقق ذلك عمليا، وإنما يكفي لتحقيق تلك الضوابط أن تكون الفروق بين هذه الأعداد، وبين المتوسط العام لأعداد من يمثلهم النائب على مستوى الدولة في حدود المعقول.

تقسيم غير عادل 

ذكرت المحكمة خلال حيثياتها، أن متوسط عدد المواطنين الذين يمثلهم النائب بمجلس النواب هو 168 ألف تقريبا، والذي يمثل حاصل قسمة عدد سكان الجمهورية ومقداره 86,813,723 مضافا إليه عدد الناخبين بها ومقداره 54,754,036، في تاريخ صدور القانون، مقسوما على اثنين، ثم قسمته على عدد المقاعد المخصصة للنظام الفردي وهو 420 مقعدا.

واستعرضت المحكمة الجدول الفردي المرفق بالقانون، مؤكدة أن المشرع لم يراع في الجداول الفردية قاعدتي التمثيل العادل للسكان، والتمثيل المتكافئ للناخبين فى العديد من الدوائر، ورصدت ذلك من خلال 12 دائرة.

ففي محافظة القاهرة: "دائرة حلوان"، يمثل فيها النائب 220043 مواطنا ـ وفقا للمتوسط العام المشار إليه، في حين أن دائرة "الجمالية" يمثل فيها النائب 78175 مواطنا، ودائرة المقطم يمثل فيها النائب 111360 مواطنا.

وفي القليوبية: يمثل النائب في دائرة طوخ 228226 مواطنا، في حين أن دائرة مدينة قليوب يمثل فيها النائب 130008.

كفرصقر بالشرقية، يمثل فيها النائب 214599 مواطنا، في حين أن دائرة مشتول السوق يمثل فيها النائب 149154.

في دمياط "دائرة فارسكور" يمثل النائب 205991 مواطنا، في حين أن دائرة الزرقا يمثل فيها النائب 124291. 

دائرة الحامول بمحافظة كفر الشيخ، يمثل فيها النائب 234493 مواطنا، في حين أن دائرة بيلا يمثل فيها النائب 104256.             

في محافظة الغربية "دائرة بسيون"، يمثل النائب 235970 مواطنا، في حين أن دائرة قطور يمثل فيها النائب 135924.

محافظة المنوفية "دائرة بركة السبع"، يمثل فيها النائب 230341 مواطنا، في حين أن دائرة الشهداء يمثل فيها النائب 121943.

 وفي محافظة البحيرة: دائرة كوم حمادة؛ يمثل فيها النائب 240152 مواطناً، في حين أن دائرة مدينة كفر الدوار يمثل فيها النائب 131093 مواطناً، وكذلك دائرة مدينة دمنهور يمثل فيها النائب 130997 مواطناً.

 ومحافظة الفيوم: دائرة يوسف الصديق؛ يمثل فيها النائب 255941 مواطناً، في حين أن دائرة ابشواى يمثل فيها النائب 141491 مواطناً.

في محافظة بني سويف "دائرة إهناسيا"، يمثل فيها النائب 268253 مواطنا، في حين أن دائرة بني سويف يمثل فيها النائب 118821 مواطنا.

تقسيم الدوائر انتهك حقوق الناخبين والمرشحين

اختتمت المحكمة حيثياتها قائلة: إن المواطنين ومن بينهم أولئك الذين تتوافر فيهم شروط مباشرتهم حق الانتخاب، وإن تباينت الدوائر الانتخابية التي تضمهم، يتكافئون من زاوية تمثيل النواب لهم، ما يتعين معه ردهم إلى قاعدة موحدة، تكفل عدم التمييز بينهم من حيث الثقل النسبي لهم، ومن أجل ذلك يجب أن يضمن التنظيم التشريعي للدوائر الانتخابية، أن يكون لصوت الناخب في دائرة معينة الوزن النسبي ذاته الذي يكون لصوت غيره من الناخبين في الدوائر الانتخابية الأخرى، ومراعاة عدد السكان، بما يحقق تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين في مباشرتهم حق الانتخاب، ويترتب على ذلك أن مصادرة أو إهدار أو إضعاف هذا الوزن النسبي لهم في دائرة انتخابية معينة بالمقارنة بأقرانهم في دائرة أخرى يكون مخالفا لمبادئ تكافؤ الفرص، والمساواة في ممارسة حق الانتخاب. 

كما أشارت المحكمة إلى أن النص المطعون عليه من القانون، لم يلتزم بقاعدة التمثيل العادل للسكان والتمثيل المتكافىء للناخبين، حيث تضمن في الجدول المرفق الخاص بالنظام الفردي للانتخاب تمييزا بينهم، يتمثل في تفاوت الوزن النسبي للمواطنين؛ لاختلاف الدوائر الانتخابية، ودون أي مبرر موضوعي لهذا التمييز، منتهكا بذلك مبادئ تكافؤ الفرص والمساواة في ممارسة هذا الحق، ومخلا بمبدأ سيادة الشعب باعتباره مصدر السلطات.