التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 09:33 ص , بتوقيت القاهرة

الآشوريون.. الشعب الذي "لا يفنى ولايستحدث من العدم"

منذ بضعة أيام، أقدم مسلحو تنظيم "داعش" على السيطرة على عدد من القرى الآشورية في محافظة "الحسكة"، في الشمال الشرقي لسوريا، وقاموا باختطاف أكثر من 220 شخصا من أبناء تلك القرى، غالبيتهم من المسيحيين، وإحراق عدد من الكنائس، قبل أن يبث التنظيم، الخميس الماضي،  تسجيلا مصورا على الانترنت يتضمن مشاهد لعناصر التنظيم في شمال العراق أثناء قيامها بتحطيم مجموعة من التماثيل والمنحوتات التي تعود للحقبة الآشورية، قبل آلاف السنين، ليقفز إلى السطح من جديد اسم الآشوريين.



ووسط مخاوف كبيرة من تكرار استهداف الأقليات الدينية والعرقية في المنطقة على يد الجماعات الإسلامية المتشددة، كما حدث لإيزيديي العراق، والمسيحيين في عدة مناطق سورية كصيدنايا وكسب، أعلن المرصد الآشوري لحقوق الإنسان، مساء أمس، السبت، أنه تم الإفراج عن نحو 30 آشوريا مسيحيا من ضمن 280 مختطفا، بينهم أطفال ونساء، لتتأكد نظرية البقاء الآشوري، التي باتت - بحكم التاريخ - سرا من أسرار الطبيعة، كمادة "لا تفنى ولا تستحدث من العدم".


الآشوريون قديما


ينتسب الآشوريون أو السريان لآشور الابن الثاني لسام بن نوح، وهم من القبائل السامية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية إلى شمال بلاد ما بين النهرين (العراق)، وكانت عاصمتها الأولى مدينة آشور، ثم صارت نينوى، واندمجت ثقافيا مع البابليين، ثم توسعت لتصبح امبراطورية خلال السنوات 1950 ـ 1750 ق.م.


الإمبراطورية الآشورية انحدرت بعد ذلك حتى كان عام 1500 ق.م، حين انتعشت ثانية، لتبدأ مرحلة الجديدة من التوسع والفتوحات، فاحتلت مدينة بابل سنة 300 ق.م.، ثم تركزت هذه الفتوحات خلال السنوات (1116 ـ 1078 ق.م.)، إبان عهد الملك تغلات فلاصر الأول، الذي أوجد دولة بيروقراطية ذات قوانين صارمة، وأيضا إبان عهود شلمنصر الثالث (858 ـ 824 ق.م.)، وتفلات فلاصر الثالث (746 ـ 728 ق.م.)، وفي عهد هذا الأخير شهدت آشور أوسع غزواتها عندما وصلت إلى أرمينيا سواحل المتوسط بما في ذلك سوريا ومصر.



وفي عهد صرغون الثاني (721 ـ 705 ق.م)، وآشور بانيبال (68 ـ 633 ق.م.) وصل الفن والعمارة الآشوريين إلى ذروتهما، وبعد موت هذا الأخير سقطت الإمبراطورية الآشورية بأيدي الفرس الميديين، والبابليين، لتبدأ سلسلة المجازر الدموية ضدهم.



نهاية الإمبراطورية


في عام 612 ق. م، وبعد حرب أهلية مطولة استطاع البابليون والميديون، المخضعون سابقا لبلاد آشور، أن يقهروا ويدمروا "نينوى"، عاصمة الإمبراطورية الآشورية في العهد الآشوري الحديث، وتلاشت المدينة العظيمة في لهيب من النيران، قبل 3 سنوات من قيام نفس المتمردون بتدمير العاصمة الآشورية الغربية  "حران"، ثانية، ساحقين بذلك آخر خندق للمقاومة لملك بلاد آشور الأخير أشور اوبليط الثاني، الحادث الذي ختم مصير الإمبراطورية الآشورية، وعهدها في الكتب التاريخية.


الشعب باق


"سقوط الإمبراطورية الآشورية لم يعن نهاية شعبها.. عمل هؤلاء في الزراعة وأصبحوا مسيحيين بعد 7 أو 8 قرون".. هكذا يقول عالم الآشوريات هنري ساغس، فبلاد أشور كانت واسعة ومكتظة بالسكان فخارج بعض المراكز الحضارية المدمرة استمرت الحياة كالمعتاد.


وفي عهد الاسكندر الإغريقي، وبالتحديد عام 325 ق. م. رحب الآشوريون به واعتبروه المنقذ من بطش الفرس، واستمر الآشوريون في ممارسة عبادتهم قبل مجيء المسيح، الذي تقبلوا دينه الجديد بكل سهولة، كونه لم يختلف كثيرا مع دينهم القديم، حيث نشروا فكرة الإله الأوحد في مرتبته، وآمنوا به باسم "آشور" في نينوى، و"مردوخ" في بابل، كما آمنوا بموته وقيامته.


ومنذ القرن الاول الميلادي، كان الآشوريون من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية، وساهموا في نمو هذه الديانة لاهوتيا ونشرها في مناطق آسيا الوسطى والهند والصين.


مجازر متتالية


وابتداء من عهد تيمورلنك، في القرن الـ14 الميلادي، مرورا ببدر خان، بداية القرن الـ19، وصولا إلى الحربين العالميتين والاضهاد الكبير من الدولة العثمانية، حلت بالآشوريين مجازر دموية مفجعة أدت إلى موت الآلاف.



وخلال الحربين العالميتين، هرب الآشوريون من العراق إلى سوريا وايران وجورجيا، خشية الهجمية العثمانية، حيث تم ذبح واضطهاد الآشوريين، لاسيما السرياني الأرمني منهم، وخاصة بعد مجازر استهدفتهم في منطقة السميل في شمال العراق، قضى خلالها حوالى 5 آلاف منهم.


نزوح وتشرد


وبعد استقلال سوريا والعراق، بات الآشوريون ينتمون الى الأقليات الدينية الهامة فيهما، وقد سكن معظمهم في المناطق الريفية حتى الستينات عندما بدأوا بالهجرة إلى المدن بحثا عن العمل، كما هاجر في الوقت عينه العديد منهم إلى الولايات المتحدة ولاحقاً إلى دول أوروبا الغربية.


ونزح كثير من المسيحيين الآشوريين، خلال الحرب المستمرة منذ 4 أعوام، والتي قتل فيها أكثر من 200 ألف شخص، إلى مدن الحسكة والقامشلي وغيرها، لاسيما بعد سيطرة تنظيم "داعش" على قراهم.



الآشوريون اليوم


ورغم قسوة الظروف، وعمق المأساة، والمذابح، والتشرد، وغيرها من المصائب والويلات التي واجهها عبر مسيرته التاريخية الاسطورية، والممتدة إلى أكثر من 5 آلاف سنة، لايزال الآشوريين أو السريان أو الكلدان، يسكنون في العراق وسوريا وتركيا وبأعداد أقل في إيران، كما توجد أعداد أخرى في المهجر في الولايات المتحدة، ودول أوروبا، وخاصة بالسويد وألمانيا.


وفي سوريا وحدها، يعيش حوالى 30 ألف آشوري، غالبيتهم في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي، حيث يبلغ عدد السكان 1,4 مليون نسمة.


وتأسس المجلس الوطني السرياني (الآشوري) عام 2013، من الشباب السريان في محافظة الحسكة، ردا على حملة اختطاف وتهجير السريان والآشوريين وتعد على مناطقهم السكنية، وهو أول جسم مسيحي عسكري منظم وربما الجسم المسيحي العسكري الأوحد في المعارضة السورية.