التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 05:37 ص , بتوقيت القاهرة

تبريراتنا.. ماذا تخبر عنا؟؟

 


أشخاص يقتلون كلبا بطريقة وحشية، فنقول: "فيه بني آدمين بتموت، هنزعل على الكلاب!" ونعتبر أننا جئنا بجوهر الحكمة في الموضوع.



مجموعة من الشباب يصورون فتاة بينما يجبرونها على التعري، ويشهرون بها، فيخرج من يقول إنها كانت على علاقة بأحدهم.



شخص يتحرش بفتاة، فيخرج من يقولون إن ملابسها كانت "كاشفة".


مستوى الحوار في مجتمع من علامات "الذكاء" الجمعي لهذا المجتمع. المجتمعات - كالأشخاص - تمر بتجارب، وعلى قدر ما تمر به من تجارب تراكم خبرتها، وتتجاوز أشواطا، وتحسم مواضيع. والأهم من ذلك تبحث عن مجموعة من "القيم الأساسية" لهذا المجتمع.


قد تتكرر الجريمة نفسها في أي مجتمع آخر، إنما لن يتكرر التبرير. لأن العقل الجمعي حسم الموضوع.


هذه نقطة.


الثانية أن التبريرات لا تأتي من فراغ، بل تعبر عن "فلسفة الحياة" لدى مجتمع ما. عن منابع المعرفة. منابع المعرفة في مجتمعنا تكاد تقتصر على أحكام الدين. وهي أحكام تغطي نشاطات إنسانية محدودة جدا. بالتحديد النشاطات الإنسانية التي يحتاج إليها مجتمع صحرواي، أو حضري ناشئ، في القرن السابع الميلادي. أحد الذين قتلوا #كلب_شارع_الأهرام قال إنهم حصلوا على فتوى من شيخ بجواز فعل ذلك.



نظن أن هذه أزمة بسيطة. ليست كذلك. لقد فقدنا القدرة على التفكير النقدي بوجه عام، لكننا أيضا فقدنا القدرة على التفكير النقدي في مجال الأخلاق بالذات. إذ إنها من المجالات التي تحرص المجتمعات المحافظة على التشدد بشأنها، فتسجنها في دين، أو في عادات وتقاليد. وتعتبر أن ما ورثته من أفكار بشأنها حقيقة بديهية لا تحتاج لنقاش، بل تستخدم لحسم أي نقاش قبل أن يبدأ. وبالتالي يأتي التبرير.


ومعظم هذه التبريرات منطلقة من الصورة السطحية عن "مفهوم العدل". بل من سطحية الفكرة نفسها. أن تكون هناك قيمة، أي قيمة، يمكن أن تستخدم لارتكاب فظائع، بينما تُقَدَّم على أنها شيء جيد. لم تعد المشكلة القدرة على ارتكاب فظائع من عدمه، بل هل "الفظائع" لها تبرير أم لا. وتنحصر العقول في البحث عن تبريرات، لأنها تعلم أنها لن تستطيع في مجتمع كهذا أن توقف الفظائع.


 هل وصلت الفكرة؟


يعتقد من يبررون التحرش بأن الملابس مكشوفة، أو يبررون الاغتصاب والتشهير بأن هناك علاقة جنسية بين المجرم والضحية، بأولوية الردع على ما سواه، وأن كل ما يصب في خانة الردع يعتبر خطوة في تحقيق "العدل". يعتقدون بأننا من حقنا أن نفعل أي شيء، أي شيء، في سبيل الردع عن سلوكيات بعينها. الردع والتخويف والعقوبات المشددة طريقة السماء في تأديب أهل الأرض، فلماذا لا تكون طريقة الرجل في تأديب المرأة، وطريقة الآباء في تربية الأبناء، وطريقة أهل دين في شكم أهل دين آخر؟!


المجتمع يلجأ إلى عقوبات مغلظة لفرض الالتزام بأمور لو ترك الناس على طبيعتهم لن يلتزموا بها، لأنها في الحقيقة مجحفة لعدد كبير كبير جدا منهم. فيتشدد في "جرائم العرض" ضد المرأة أيما تشدد، ويغلظ العقوبة على المرأة حتى تصل إلى القتل لها والمعافاة لشريكها (أتحدث عن المجتمع بغض النظر عن القانون المكتوب). ثم إن هذا المجتمع قد يتجاوز عن المتحرش، ويتهم الضحية. لماذا؟ لأنه يريد جدا جدا أن يبقى على وضع المرأة المجحف، ولكي يفعل هذا لا بد أن يستدعي قيمة ما تبرر له قيامه بهذا الظلم، وعقوبة ما تحجز النساء عن التفكير، مجرد التفكير، في خطوة واحدة قد تتحدى بها الوضع القائم. وبالتالي لا بأس من بعض الظلم عليها من أجل "الحفاظ على الشرف".


يتحول هذا إلى فلسفة حياة، فلسفة إدارة لقانون المجتمع وصياغة له. فيصبح تعذيب كلب جزاء عادلا لأنه تجرأ وعض إنسانا. ويصبح المبر هو شاغلنا وليس بشاعة الجريمة.


إلى هذا الحد يمكن أن ينحدر بنا غياب تشغيل المخ، وغياب التفكير النقدي في الأخلاق!