التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:12 ص , بتوقيت القاهرة

الله والإنسان

"َوقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَ?ذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا".


بدأت الاثنين الماضي سلسلة حلقات على قناة "النهار اليوم" بعنوان القرآن المهجور. وستكون حلقات أسبوعية كل اثنين.


لماذا القرآن المهجور..؟ لأنها كانت الشكوى الأولى من الرسول إلى ربه، من هذه الأمة، أول ما تتخلى عنه الأمة وتجني عليه وتتجاوزه وتنقض المواثيق معه هو كتاب الله، ثم يمضون في حياتهم يصيغون التشريعات والأحكام والمعاملات من مصادر أخرى غير كتاب الله، المصدر الأول، ضاربين به عرض الحائط، مهملين لما جاء فيه من حكمة ونور وهداية وبصائر، ثم يظنون أنفسهم مسلمين حقيقيين.


الغريب أن المسلمين وقت نزول القرآن كانوا في أكثر حالاتهم تمسكا بهذا القرآن والتزاما بحفظه وحمله في الصدور. ورغم ذلك كانت النبوءة من الرسول أنه رغم هذا الاحتفاء الشديد بالقرآن والذي صار مطبوعا ومكتوبا بمئات الوسائل وعلى ملايين الوسائط وفي يد المليارات، إلا أنه يصير مهجورا.


ورغم أهمية القرآن إلا أن الرسول جعل علاقة المسلمين ببعضهم أهم من علاقتهم بالقرآن، فقال صلى الله عليه وسلم "اقرأوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإن اختلفتم فيه فقوموا عنه" _ البخاري.


نقرأ القرآن وقلوبنا مؤتلفة صافية لا تحمل الشقاق والكراهية والمكائد، فإن غابت هذه المؤالفة فلا فائدة من قراءة القرآن أو ترديد الآيات أو كل التمتمات من تسابيح وتعاويذ.


الرسول يقول أزيلوا كل سببٍ للخلاف بينكم حتى لو كان كتاب الله ذاته. إن اختلفتم فيه أغلقوه وقوموا بعيدا عنه. فلن يفيدكم في شيء.


ولو تابعنا الكثير من تعاليم الإسلام نجد أن صلابة النسيج المجتمعي والسعي لدعم فكرة السلام الداخلي بين الناس تعلو  فوق أي فكرة دينية أخرى. وربما كانت تلك النقطة هي الداعم الأساسي وخط الأمان الأخير أمام انتحار أي شعب في فتن وحروب داخلية.


 وفي رأيي أن معدل السلام الداخلي بين المجتمع المصري أقوى مما تخيله الكثيرون. وهو الذي حمى المصريين من التورط في قتال داخلي لعب الكثيرون على إشعاله، مثل قتال سني شيعي أو صوفي سلفي أو مسيحي إسلامي أو حتى سني سني.


دعما لذلك قال الله مختصرا السبب من وراء البعث وإرسال الرسل والآيات: "قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ".


هدف النور  والكتاب، وطريق من اتبع رضوان الله، أن يقود في الأخير إلى سبل السلام، فكل طرق السلام هي طرق الله وهي التي يدفع الله الناس إليها. ويدعمها بالكتاب والرسالات. سلام مع نفسك أو مع الله أو مع البشر من حولك.


وكل طريق اتبعته لتصل إلى الله فلم تجد فيه سلاما، فاعرف أنك في الطريق الخطأ.


حتى أن قمة المكافأة التي أعدها الله لعباده في الجنة أنها تكون (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما) فمتعة الجنة الأولى والنهائية هي السلام.


ولو انتقلنا إلى فكرة ثانية، وهي عاطفة الرسول تجاه المسلمين، وتلك العاطفة صاغها القرآن في آية: (قد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).


الرسول يعز عليه أي عنت أو تعب أو مشقة يقع فيها الناس. فتعاليمه تهدف للتيسير والتسهيل وجعل الحياة أكثر رشاقة وانطلاقا وأكثر تخففا من أي قيد أو خرافة أو إحساس بالخوف أو الذنب أو التضييق بشدة التكاليف. وهو حريص عليهم. فلا يرمي بهم مواطن التهلكة.


والآن صار من يشرع عن الرسول أو ينقل عنه أو يزعم الحديث باسمه يمشي عكس خطاه. فهو يفرح لو رأى الناس في تشدد وعنت. ولا تؤدي فتاويه إلا إلى التهلكة.


ونكمل في المرة القادمة..