هو إحنا نطول أحمد عز؟!
دعني أقول لكَ إن الانزعاج الشديد من خوض أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني، للانتخابات البرلمانية مضحك. ودعني أقول لك أيضًا إن ما ردده بعض المنزعجين من أن ترشحه عودة لنظام مبارك "اللي قامت عليه ثورتين"، أعتبره مسخرة.
لماذا أقول ذلك؟
لأن المنزعجين من المؤيدين للنظام الحالي، لو رجعوا بمقاعدهم للخلف قليلاً، وأغمضوا أعينهم قليلًا وتأملوا ما نحن فيه لاكتشفوا بسهولة شديدة، أن المقارنة بين النظام الحاكم الآن وبين نظام مبارك، هو في صالح الأخير وليس في صالحهم.
على المستوى الاقتصادي كانت- بدون شك- الأمور أفضل بكثير مما نحن فيه. على مستوى الحريات الفردية والعامة، فالحقيقة المؤسفة هي أن مبارك ورجاله أكثر ديمقراطية وأكثر تسامحًا مع المعارضين. أي وبجملة واحدة المقارنة تعني أن أحمد عز ومعه رجال مبارك أفضل بكثير من الرجال المحسوبين على النظام الحالي. ثم أن بعضًا من رجال مبارك يتصدرون المشهد الحالي، لكن ميزتهم أنهم نقلوا الولاء إلى النظام الحالي.
بالطبع أنت تعرف أن السياسات ليست أشخاصًا، قد يكون الأشخاص عنوانًا لها، لكنّهم بالتأكيد ليسوا هم في ذاتهم السياسات. أقصد أن نظام مبارك، كان نظاما متكاملا، بمعنى أنه طريقة في الاقتصاد والسياسة وفي كل شيء. يذهب الأشخاص أو يتغيرون وتبقى السياسات على ما هي عليه.
دعني أقول لك أيضًا إن شخصنة الصراع السياسي في مصر كانت فخًا كبيرًا أوقعنا فيه- بقصد وبدون قصد- الكثير والكثير من نخبتنا السياسية التقليدية ومن الثوار النبلاء. فعلى سبيل المثال خاض الكثيرون بعد ثورة يناير المجيدة معركة طاحنة للإطاحة بالأستاذ أسامة سرايا من رئاسة تحرير الأهرام، لأنه من "الفلول". ولم يفكر الثوريون النبلاء أن ما نحتاجه ليس تغيير الشخص، لكن الطريقة التي نجعل بها هذه المؤسسة الصحفية العريقة مستقلة عن أي نظام حكم وعن أي سُلطة تنفيذية وتعمل لصالح المصريين؛ لذلك لن تجد تغييرًا كبيرًا بعد رحيل سرايا. جاء من بعده زملاء أعزاء، لكن بقت الأهرام تأتمر بأمر من يحكمون، أيًا كانوا.
أعطيك مثالاً آخر. تغيّر حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق ودخل السجن وربما لا يخرج منه. جاء من بعده وزير واثنان وثلاثة ولم يتغير شيء، بقيت الداخلية أداة باطشة في يد من يحكم. ولم ينشغل الثوار النبلاء بتغيير آليات عمل هذا الجهاز ليقوم بدوره المهني، وبشكل مستقل تمامًا عن السُلطة التنفيذية.
أعطيك مثالاً أخيرا. أطاح الإخوان بالنائب العام وجاءوا بمن يواليهم. وتمت الإطاحة بالأخير من على كرسيه، بل ومن القضاء "كله" وجاء نائب عام جديد للتعبير عن التغيير. ولم يتغير شيء في الآليات، وبقت النيابات والقضاء بشكل أو آخر أداة في البطش السياسي للخصوم من خلال الكثير والكثير من الآليات ومن خلال الكثير والكثير من القوانين. كان الأهم، كما أظن، أن ننشغل باستقلال حقيقي للقضاء.
قس على ذلك في كل مؤسسات الدولة، وقس على ذلك في مختلف مناحي بلدنا، بما فيها مثلاً الأحزاب والمجتمع المدني وغيره وغيره. يمكنك القول إننا وقعنا بسعادة في فخ شخصنة النظام السياسي لمبارك، أي تحويله إلى أشخاص، لو خرجوا من الصورة سوف يكون كل شيء على ما يرام. كما ترى هذه أكذوبة كبرى.
كما أننا وقعنا بسعادة أيضًا في فخ الانتقام من الخصوم والتنكيل بهم. دعني أصارحك بأن هذا الفخ الثوري اللذيذ وقع فيه تقريبًا الجميع، بمن فيهم من هتفوا "عيش . حرية. عدالة اجتماعية"- أقصد الصُناع الحقيقيين للثورة- وكأننا أردنا أن نستبدل نظام حكم ديكتاتوري بآخر ديكتاتوري، بس "بتاعنا"، لذلك كان طبيعيًا أن معظم من عارضوا مبارك من أجل الحرية كانوا أكثر استبدادًا منه سواءً من الإخوان وعموم الإسلاميين أو ما يسمونه التيار المدني أو حتى الليبرالي، تصورنا أننا يُمكن أن نحل كل مشاكل البلد فقط لو أزحنا فلان وعلان وترتان من المشهد وجلسنا مكانهم.
أعود إلى أحمد عز، دعني أقول لك أنني معجب بشجاعته في إصراره على ممارسة حقوقه. وأعتقد أننا مطالبون بالدفاع عن حقه القانوني في خوض الانتخابات وممارسة كل حقوقه السياسية. ليس لأني معه، فقد كنت ضد نظام مبارك الديكتاتوري، لكن لأن مقياس الحرية ليس هو حريتك أنت، ولكن حرية خصومك. ليس هو وحده ولكن كل المصريين، بما فيهم الإخوان والإسلاميين غير المتورطين في جرائم إرهابية.
أظن أننا نحتاج بعد ثورتين عظيمتين، وبعد كل هذه الخيبات والمرارات نحتاج إلى تجنب الفخاخ، وأن نبني بلدًا حرًا ديمقراطيًا يتسع للجميع على قدم المساواة، بلدًا لكل المصريين، بلدا لا يقوم على القمع والاستبداد والإقصاء. لأننا إذا لم نفعل، فنحن نبني الخراب بإصرار وكفاءة.