التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 10:02 م , بتوقيت القاهرة

خيارات مصر بعد فشل مجلس الأمن في مواجهة داعش الليبية!

لم يغلق مجلس الأمن جلساته بعد، لكن القضية التي بدأت ساخنة وقوية تطالب بتدخل مجلس الأمن وتكاتف المجتمع الدولي، لوقف وحشية تنظيم داعش وردعه عن القيام بجرائمه الفظة، سرعان ما حاصرها فتور الغرب وتواطؤ الأمريكيين ليخفت صوتها وتموت بالسكتة القلبية! داعش ليبيا,دون أية نتائج تذكر باستثناء إعلان أَدَانَ بشدة جريمة "سرت" باعتبارها عملا جبانا ومشينا، مع تمنيات أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بأن ينجح الحوار الوطني الليبي في أن تتجاوز ليبيا أزمتها الراهنة! 


رغم المذبحة التي ارتكبها "داعش" على شواطئ "سرت" لواحدٍ وعشرين قبطيا مصريا من بسطاء الناس، ذُبحوا علنا دون ذنبٍ أو جريرة، في مسرحية دموية تتحدى الشرعية والقانون والمجتمع الدوّلي، ومع ذلك لم ينطوِ إعلان مجلس الأمن على أي فعل جاد لوقف إرهاب داعش، فقط الإدانة والشجب!


وبرغم سخف الذرائع والأسباب التي مكنت داعش من الإفلات من العقاب، وأثبتت عجز المجتمع الدوّلي عن حماية حق الإنسان في الحياة، حِفِلَ المشهد الدولي بمواقف تاريخية تؤكد تضامن مصر مع حكومة ليبيا الشرعية، وتصميمهما المشترك على دحر الإرهاب وهزيمته، وليعلم القاصي والداني أن لمصر درعا يحمي حقوق شعبها وسيفا باترا سوف يقضي على الإرهاب، كما حفل المشهد الدولي بمواقف عار سوف تبقى إلى الأبد وصمة في جبين هؤلاء الذين تقاعسوا عن مواجهة إرهاب داعش بحجج سقيمة لا تقنع طفلا.. مرة بدعوى الخوف من تأثير العمليات العسكرية على جهود المبعوث الدولي الذي يستهدف إنجاز تسوية سلمية للأزمة الليبية عبر حوار وطني، يشارك فيه بعض الضالعين من أنصار داعش!


رغم أن جهود المبعوث الدولى محكوم عليها بالفشل لأنه ما لم يتم هزيمة داعش فى مواجهة عسكرية تقوض قدراتها العسكرية والتنظيمية، لن تستسلم داعش ولن تُغير مواقفها، هذا دأب الإرهاب لا تردعه سوى الهزيمة النكراء، ومع الأسف لا نرى أية بادرة تُشير إلى فرص نجاح جهود المبعوث الدولي ولكنّها إدارة الرئيس الأمريكي أوباما التي تتبنى المعايير المزدوجة وتكيل بمكيالين، وتعلن عزمها على مواجهة داعش فى سوريا والعراق بنصف حرب تفتقد القوات البرية!


بينما تغمض عينيها عن جرائم داعش في ليبيا، وتمنع تكتيل جهود المجتمع الدولي لحصارها وتصفيتها، لصالح هدف واحد لم يعد خافيا على أحد! أن تبقى داعش لأطول فترة زمنية ممكنة فزّاعة تبتز بها الولايات المتحدة أمن الدول العربية! وهذا ما حدث بالفعل، حيث تسيطر داعش الآن على مدينة سرت بالكامل، ويتدفق إليها آلاف المقاتلين من سوريا والعراق وكل حدب وصوب يرسخون وجود "داعش" على الأرض الليبية.


ومع ذلك تتعدد الذرائع والأسباب الخائبة التي تبرر عجز المجتمع الدولي، ابتداء من الادعاء البريطانى بأن أية عملية عسكرية تجرى ضد داعش في ليبيا الآن سوف تؤدي إلى تقوية داعش! إلى الادعاء الإيطالي بضرورة منع أية تدخلات عسكرية في المسألة الليبية مهما تكن شرعية أسبابها دون موافقة واضحة تصدر عن مجلس الأمن، رغم أن تدخل مصر العسكري تم بتوافق كامل مع الشرعية والقانون الدوليين؛ لأن من حق مصر وواجبها حماية شعبها وأمنها الوطنيّ.


كما أن تدخل مصر تم بناءً على طلب من حكومة ليبيا الشرعية وجيشها الوطنيّ، الذي يُصر المجتمع الدولي على منعه من حقه في السلاح دفاعًا عن وحدة الدولة والتراب الليبيّ في مواجهة هذه الفوضى العارمة التي تعيشها ليبيا تحت حكم الجماعات المسلحة المتطرفة، ويتحمل الغرب والأمريكيون جانبا كبيرا من مسؤوليتها، بعد أن تم سحب قوات الناتو إثر سقوط حكم القذافى، تاركة البلاد نهبا لصراع هذه الجماعات في عمل غير أخلاقي خذل الشعب الليبي، اعترف الرئيس الأمريكي أوباما مرة بأنه خطأ بالغ.


لكن عندما تهيّأت للرئيس الأمريكي فرصة إصلاح هذا الخطأ بعد جريمة سرت. زاد الطين بلّة وعوّق مجلس الأمن عن اتخاذ القرار الصحيح رغم معرفته المؤكدة بأن سيطرة داعش على ليبيا، تعني سيطرتها على أمن البحر الأبيض والأمن الأوروبى، وأن داعش تمثل خنجرا مسموما يطعن أمن مصر في خاصرته الغربية، يستحيل التعايش معه أو السكوت على جرائمه!


والأكثر سوءا من ذلك أن أوباما يترك الحبل على الغارب في شمال أفريقيا، حيث تشكل جماعات الإرهاب التي تضم داعش وبوكو حرام وأنصار الشريعة تحالفا بغيضا، هدفه الأساسي تقويض استقرار دول شمال إفريقيا، وتصدير العنف إلى تشاد ومالي، وما من مصلحة أمريكية تبرر هذا المسلك سوى الإبقاء على داعش فزاعة تبتز الأمن العربي، خاصة أن الجميع بمن في ذلك المبعوث الدولي يتخوفون من أن تصبح ليبيا دولة فاشلة و"صومال" جديدة على ساحل البحر الأبيض؛ بسبب عجز حكومتها عن مقاومة الإرهاب، وإصرار المجتمع الدولي على حرمان جيشها الوطني من السلاح رغم الحرب الضارية التي يخوضها ضد جماعات الإرهاب!


والمدهش في الموقف الأمريكي أن إدارة أوباما التي قادت تدخل حلف الناتو في المشكلة الليبية عام 2011 لمنع قوات القذافي من التقدم تجاه بنغازي، ترفض التدخل الآن رغم الفوضى العارمة التي تسيطر على ليبيا، ورغم محاولات جماعات الإرهاب السيطرة على هلال البترول الواقع بين بنغازي وسرت جنوبا ويضم البريقة ورأس لانوف ومعظم حقول البترول وموانيه، ورغم سيطرة داعش على أجزاء مهمة من البلاد، ورغم مقتل سفيرها في بنغازي قبل عامين من قبل هذه الجماعات، لا يزال البنتاجون الأمريكى- مع الأسف- يصر على حصار الحرب المنقوصة على داعش داخل العراق وسوريا، رغم أن التفويض الذي طلبه أوباما من الكونجرس الأمريكي أخيرا، يسمح للرئيس الأمريكي بأن يمد عملياته العسكرية ضد داعش خارج حدود البلدين وإلى أي مكان في العالم!


والآن ما العمل بعد أن أخفق المجتمع الدولي في ردع داعش داخل ليبيا رغم جرائمه البغيضة؟ خاصة أن لمصر أكثر من مليون مواطن يتواجدون في مناطق عديدة في ليبيا، تطاردهم هذه الجماعات دون رحمة لحساب جماعة الإخوان المسلمين، يتحتم أن يتهيأ لهم ممرات آمنة تمكنهم من العودة إلى وطنهم، مع شيوع أنباء مؤلمة جديدة تؤكد أن داعش ألقت القبض على عشرة جدد من المصريين، نرجو أن يكون مصيرهم غير مصير أخوتهم الأقباط الذين ذُبحوا ظلما على سواحل سرت!


لقد تحمّل المصريون فوق ما يطيق البشر من هذه الجماعات المسلحة التي تنشر الفوضى في ليبيا، وارتكبت سلسلة من الاعتداءات والجرائم المشينة استهدفت أقباط مصر كما استهدفت مسلميها، واستهدفت قبل ذلك خمسة من أعضاء السفارة المصرية في طرابلس تم اختطافهم عام 2013، وتمكنت مصر من الإفراج عنهم، ثم جاءت جريمة سرت القبيحة تحديا وقحا للشعب والجيش والحكم في مصر، استوجب ردا حاسما بعد أن جاوزت القضية أن تكون قضية وجود لتصبح قضية حياة وكرامة وقضية مستقبل، لأن داعش استهدفت من هذه العملية الأخيرة ومحاولة تكرارها امتهان مصر وجيشها وشعبها وقياداتها ومحاولة إفشال مستقبلها‍!


وحسنا أن جاء الرد المصريّ محكما شديد الإيلام، لقي فيه أكثر من 64 من كوادر داعش مصرعهم بينهم ثلاث قيادات في عملية هجوم قصفت تجهيزات داعش في مدينتي سرت ودرنة التي تقع على مسافة 75 كيلو مترا من مصر، كانت داعش تعدها كي تكون مركزا لعملياتها وقيادتها، ولا أعتقد أن تخاذل المجتمع الدولي عن مواجهة داعش في ليبيا يُمكن أن يُغير موقف مصر من ضرورة التعاون مع حكومة ليبيا الشرعية على اقتلاع جذور جماعات الإرهاب، لأن داعش تُشكل خنجرا مسموما يطعن خاصرة مصر الغربية ويهدد أمنها الوطني، ولأن تعايش مصر مع سيطرة داعش على أوضاع ليبيا هو ضربٌ من المستحيلات مهما يكن حجم التحدي، ولأن أمن مصر لا يحتمل إفشال الوضع في ليبيا بحيث تصبح صومال جديدة على ساحل المتوسط، تُصدّر العنف والفوضى والإرهاب إلى كل الأمكنة والاتجاهات، خاصة أن مصر وليبيا يلتزمان موقفا مشروعا، يحترم قواعد الشرعية والقانون الدوليين، ويصر على اجتثاث الإرهاب أيًا كان اسمه وعنوانه.


وبالطبع تريد مصر سلام ليبيا، وتريد الحفاظ على وحدة التراب والدولة الليبية، وليست لديها أية أطماع في دولة جارة وشعب شقيق، يربطه علاقات تصاهر وجوار وامتداد سكاني واحد مع مصر، يبدأ من قبائل مطروح والسلوم وصولا إلى مناطق الفيوم وبني سويف والمنيا حيث يتواجد الآلاف من العائلات المصرية ذات أصول ليبية.


وعندما قدّمت مصر مبادرتها لدول الجوار الجغرافي لليبيا على أمل أن يتعاون الجميع على تنفيذ بنودها، كان هدف مصر الأول الحفاظ على وحدة الدولة الليبية، ومساعدتها على النهوض بعمليات بناء مؤسسات الدولة الجديدة وفي مقدمتها الجيش والأمن والقضاء حرصا على تمكين الليبيين من تحقيق الاستقرار، بعد صدام أهلي استغرق أربع سنوات استنزف مقدرات البلاد، لأن غالبية الشعب الليبي تكره هذه الجماعات وترفض تسلطها، وقد أسقطتها في انتخابات برلمانية نزيهة فشلت جماعات الإسلام السياسي الليبية- وأولها جماعة الإخوان المسلمين- في اختراقها.


لكن هذه الجماعات تريد أن تُحقق بالقوة ما لم تستطع تحقيقه عبر انتخابات ديموقراطية! ومع الأسف تريد واشنطن أن تفرض على الشعب الليبى رؤيتها، وتجعل من داعش وجماعات الإرهاب جزءا من صيغة الحكم رغم الجرائم البشعة التي ارتكبتها هذه الجماعات، ورغم مخاطر ذلك على أمن مصر وأمن دول شمال إفريقيا وأمن دول البحر المتوسط والأمن الأوروبي!


وكما فشلت واشنطن في فرض هذه الصيغة على المصريين، سوف تفشل في فرضها على أي من دول الشرق الأوسط التي باتت تبغض الإرهاب، وتعتبر الحرب عليه رسالة مقدسة تحفظ أمن الأوطان وتُصحح صورة السلام.