بؤرة داعش في ليبيا
استيقظ المصريون على نبأ قتل 21 مصريا، تاركين وراءهم نحيبا ومرارة في الحلوق على جرائم جماعة لازالت تفلت بجريمة جديدة كل يوم.
كان القاتل هو عصابة داعش التي تمددت إلى ليبيا، بعد مسلسل الفوضى الذى ضربها بعد سقوط القذافي هذا الديكتاتور الذي جرّف كل مناحي الحياة في ليبيا، وبدد ثروتها من عوائد النفط التي كانت تصل إلى 60 مليار دولار سنويا وشعب لا يتجاوز 6 ملايين ليبي.
ترك القذافى ثروة من السلاح والعتاد العسكري الذي بلغ وفق بعض التقديرات 20 مليون قطعة سلاح ما بين كبير ومتوسط وصغير، والذي تحول إلى كنز أسال لعاب عصابات التهريب والجريمة الدولية التي تحالفت مع القاعدة وداعش، التي قدرت أن بناء دولة الخلافة لابد له من قاعدة جديدة تتصل بقاعدة الشام والعراق، في ليبيا على بعد خطوات من مصر التي تخوض حربا ضروسا مع فرع داعش في مصر عبر سيناء، التي أطلق عليها التنظيم ولاية سيناء قضت خطة داعش بتسخين الجبهة الغربية، بعد أن وجه الجيش المصري ضربات موجعة لتنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء.
ولعل تقرير "رويترز" الذي كشف عن قتل ما لا يقل عن 1000 عنصر من عناصر التنظيم، وكيف أن التنظيم غير قادر على الحركة بحرية بفعل انتشار وسيطرة أجهزة الأمن على المنطقة، حيث يعتمد التنظيم تلك الخطة التي تبدأ بتسخين الواقع في كل دولة يريد السيطرة عليها من خلال الهجوم من جهات متعددة، مع دفع عناصره لدفع الأمور باتجاه الفوضى من الداخل، لذا هو في مصر يقوم بتسخين الجبهة الشرقية في سيناء مع الجبهة الغربية مع احتمال تسخين الجبهة الجنوبية من جهة السودان.
وقد حاول بالفعل في الشهور الماضية فعل ذلك مع دفع عناصره أو المتعاطفين معه مثل أجناد مصر أو حركات كالتي خرجت عن جماعة الإخوان، مثل العقاب الثوري وحسم والمقاومة الشعبية وغيرها من التنظيمات الصغيرة إلى إطلاق أعمال فوضى، كالتظاهرات أو قطع الطرق وتدمير البنية الأساسية للمياه أو الكهرباء.
وبالتالي الفوضى التي تمهد للمرحلة الأولى من استراتيجية إدارة التوحش، والتي بدأها التنظيم بالفعل بهذه العملية التي أقدم فيها على نحر أبنائنا في ليبيا، وهي شوكة النكاية والإمعان في القتل والوحشية وتأمل معى كيف تم إخراج فيلم إعدام المصريين من حيث اختيار المكان وحركة أكثر من كاميرا وتخدير الضحايا ومشاهد النحر بدم بارد، حيث تحول الإعلام لدى هذا التنظيم إلى أحد الأسلحة وليس مجرد أداة تعبئة وتجنيد، بالرغم من أن التقارير تؤكد أنه نجح في تجنيد 80 % من المقاتلين الأجانب في صفوفه من خلال المواقع الإلكترونية التي زاد عددها من 16 موقعا في منتصف التسعينات إلى أكثر من 12000 موقع، توفر لها شركات أمريكية وكندية خدمة الاستضافة.
ما يجري في ليبيا هو محاولة لاستنساخ مسار العراق وسوريا، مجموعات من المقاتلين يتسللون بخفة إلى مجتمع ما ويندمجون في النسيج الاجتماعي ويتعارفون على من يشاركهم أفكار السلفية الجهادية، ثم ينشأ فرع داعش ويعلن البيعة للخليفة، وتبدأ عجلة إدارة التوحش في الدوران، من شوكة النكاية لإدارة التوحش للتمكين وإقامة الدولة.
هذا الخطر الذي انتقل من المشرق العربى بعد تفتيت دوله وإشاعة الفوضى الأمنية والسياسية فيها، ينتقل الآن لتقسيم دول شمال أفريقيا متشوقا للشاطئ الآخر، مرددا عبارات العداء التاريخي بين الشرق والغرب، داعيا لحرب عالمية ثالثة تحت دعاوى نصرة الدين الذى لا يعرفون عنه سوى ترديد أحاديث الملاحم واخر الزمان، والمعركة الفاصلة بين الحق والباطل التي يرونها إيذانا بنهاية العالم.
تصرفت مصر بقدر كبير من التعقل ولم تستجب للفخ الداعشى الذي يستهدف توريط الجيش المصري في أكثر من ساحة، سواء شرق أو غرب أو جنوب، وقد حاول أوباما جره في السابق للعراق لكن حكمة القيادة تفهمت المؤامرة وردت برد حكيم أننا نواجه نفس الإرهاب على حدودنا، حسنا فعل الرئيس السيسى باستدعاء تدخل دولى وفق مظلة الأمم المتحدة، بقي أن نشترط ألا تكون قيادة هذا التحالف أمريكية، وأن يبقى القرار لقيادة مشتركة تضم دول شمال أفريقيا، من أجل مواجهة هذه البؤرة التي لو تركت لتستفحل فلن تترك حجرا على حجر في بناء الدولة الوطنية التي عرفناها عبر عقود.