التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 10:44 ص , بتوقيت القاهرة

نريدها حربًا أهلية

سنربح حربنا ضد الإرهاب طالت تلك الحرب أم قصُرت. يؤمن بتلك الحقيقة كل واحد فينا، ويعلمها الإرهابيون كذلك ربما أكثر منا. فجيشنا يقاتل تحت رايات الحياة، بينما يحارب الإرهابيون إعلاءً لبيرق العدم. والحياةُ ـ وعلى غير ما قد يبدو لنا أحيانًا ـ تنتصر دومًا.


كذلك لا ينبغي أن نغفل عن أن طول تلك الحرب أو قِصرها لا يتوقف فقط على أداء جيشنا في ميادين المعارك، أو على ما يحظى به من تأييدنا المطلق. فهذه الحرب كما تتطلب منا أن نعلن دعمنا لكل ما تقرر دولتنا اتخاذه من قرارات تتعلق بالحرب، تتطلب أيضًا أن لا نفتح لدولتنا جبهات قتال هي أغنى ما تكون عنها.


تقصُر حربنا ويقل عدد ضحايانا كلما اصطففنا كشعب موحد وراء دولتنا. والاصطفاف لا يعني التوحد فحسب، لكنه يعني النظام أيضًا. والنظام في جوهره ليس أكثر من محاربة الفوضى. إن كل مظاهر الفوضى التافهة في حياتنا تشغل الدولة وتطيل زمن الحرب. كل تكسب رخيص في أسواقنا يُضعف اقتصادنا ويطيل زمن الحرب. كل مزايدة نَزِقة في إعلامنا تُضعف نفوسنا وتطيل زمن الحرب. كل من يحاول أن ينال ما ليس حقًا له، بدءًا من أولوية المرور في الطريق وحتى رئاسة الدولة، هو خالق للفوضى التي يختبئ داخلها الإرهاب.


إنَّ داعش وغيرها من عصابات الإجرام لم تخلق الفوضى في سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو نيجريا أو الصومال. بل خلقت الفوضى في تلك البلاد (كما شاء فلاسفتها الخلاقون) داعشَ وغيرَها. ونحن إن كان من حقنا أن نتباهى بدولتنا التي لم تسقط كغيرها من دول، فليس من حقنا أن نُمارس حياتنا كما لو أننا ننعم بالسلام والرخاء ثم نطالب الدولة بالنصر.


لا تريد الدولة منا أن نتطوع كمقاتلين في صفوف الجيش والشرطة. ولا تطالبنا الدولة ـ ولا من حقها ـ أن نُخرس معارضيها أو ندافع عن أخطائها. وفي الحقيقة نحن لسنا بحاجة للدولة أن تملي علينا واجبنا في زمن الحرب. نحن نعلم أن علينا أن لا نلتفت، وأن لا نضيّع وقتنا في هُراء المزايدين وعبيد الشهرة.


نحن نعلم أن علينا أن لا نشجع الضحالة ولا نكافئها. نحن نعلم أن علينا التوقف عن العويل كلما أصابتنا مصيبة، فذلك قد يكون أفضل للجنود الذي قُدر لهم صد المصائب عنا بأجسامهم. نحن نعلم أن علينا أن لا نبالغ في ردود أفعالنا إذا حققنا نصرًا في معركة. فذلك يضع عبئًا أكبر على القيادة التي تعلم أننا ننتظر كل يوم نصرًا.


نحن نعلم أن علينا أن لا نروج للشائعات ولا نستسلم لها، كما نعلم أن من واجبنا أن نشيع المعلومات الصحيحة بين من قُدر لهم أن يكونوا أقل منّا معرفة ودراية. نحن نعلم أن علينا أن لا نتعجل النصر، فما بنتهُ الفوضى في قرون لا يُهدم في أيام أو أسابيع أو شهور.


إن الحرب التي نخوضها ليست ـ ولا ينبغي لها أن تكون ـ حربًا لدولة ضد الإرهاب، بل ينبغي لها أن تكون حربًا لشعب تحميه دولة ضد إرهاب يتحصن بفوضى. وكما يحمينا جيشنا بشجاعة رجاله وأسلحتهم، نحمي نحن أيضًا جيشنا ودولتنا وأبناءنا وحياتنا بالتزام القوانين؛ كما ينبغي لشعب يُدرك أنه يخوض حربًا.


لقد وضعت القوانين والنظم ـ حتى في أزمنة الحرب ـ حبًا في الحياة وتقديسًا لها. ليست القوانين قيودًا تُكبل البشر، بل هي المرافئ الآمنة التي نرسو عليها هربًا من أعاصير الفوضى. وإن كان قليل أو كثير من قوانيننا قد عفا عليه الزمن وأصبح معاديًا للحياة، فكلما قصُر زمن الحرب التي نخوضها طال الزمن الذي سننعم فيه بقوانين أكثر تطورًا ومعاصرة. ولسوف تكشف لنا الحرب عن كثير من مواطن قصورنا، ولن يعدم هذا الوطن أبدًا رجالاً ونساءً يقاتلون من أجل تقدم قوانينه وعدالتها بذات الجسارة التي يقاتل بها الجنود في سبيل أمنه.


فليشن جيشنا حربه العادلة على المجرمين، ولنشن نحن- أهل مصر- حربنا الضرورية على ما استقر في نفوسنا من فوضى. لعل داعش العدمية جاءت لتعيد لنا حب الحياة، وهي فرصة قلما يجود بها التاريخ.