نهاية الأحزاب وانتصار المستقلين
قد يُفاجئ الكثير من المصريين عندما تُعلن اللجنة العليا للانتخابات القائمة النهائية لمرشحي انتخابات مجلس النواب المقبلة، ويكتشفون أن غالبيتهم مستقلون ولا ينتمون لأي أحزاب، وسوف تزداد المفاجأة عندما تُجرى الانتخابات وتُعلن نتائجها، ونجد أن غالبية الأعضاء الفائزين بمقاعد البرلمان، هم أيضا من المستقلين وليسوا من الحزبيين.
ما هو تفسير هذه الظاهرة؟ كيف ينص الدستور على أن النظام السياسي يقوم على التعددية الحزبية؟ ونجد أن المستقلين يهيمنون على الحياة السياسية؟
المسألة تعود بجذورها للخمسينات، وليس لفترة الرئيس مبارك كما يدعي البعض، فقد قامت ثورة يوليو بإلغاء الأحزاب وتأميم الحياة السياسية، في شكل تنظيم سياسي واحد اتخذ عدة أسماء هي هيئة التحرير والاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي. وكان هذا التنظيم هو الذراع السياسية للدولة، وأداتها للتعبئة الجماهيرية خلف سياسات النظام.
ولم يتغير الوضع كثيرا عندما تحوّلت مصر إلى التعددية الحزبية في عهد الرئيس السادات، فهيمن على الحياة السياسية حزب كبير ارتبط بالدولة (حزب مصر ثم الحزب الوطني)، وحلَّ هذا الحزب محل التنظيم السياسي الواحد، وقام بنفس وظائفه في النظام السياسي.
الدولة المصرية بعد 1952 لم تؤمن بدور الأحزاب بما في ذلك حزب الدولة، وحُكم مصر خلال تلك الفترة كان يتم بواسطة أجهزة ومؤسسات الدولة مثل الرئاسة ومجلس الوزراء والمحافظين والأجهزة السيادية والأمنية، ولم يكن للحزب- صاحب الأغلبية في البرلمان- دور مؤثر في هذا الأمر، أو علاقة باختيار من يحتلون هذه المناصب التنفيذية، وكانت أغلبيتهم الساحقة تأتي من أجهزة الدولة نفسها ومن خارج الحزب.
فرؤساء الوزراء اعتبروا أنفسهم مكلّفين مباشرة من رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، واختاروا من يرونه مناسبا للعمل معهم دون اعتبار لأي كوادر حزبية، ولم يكن من المقبول أيضًا أن يتم اختيار أحد الشخصيات الحزبية لمنصب المحافظ، لأن تلك المناصب كانت محجوزة لممثلين من أجهزة للدولة.
هذا عن حزب الدولة، أما أحزاب المعارضة فرضيت بوضعها على هامش النظام السياسي، وسعت إلى التنسيق مع حزب الدولة أكثر من معارضته.
في هذا الإطار تحوّلت الانتخابات البرلمانية إلى تنافس بين أفراد وليس بين أحزاب، وأصبح الوصول للبرلمان مرتبطا بحجم الخدمات التي يقدمها النائب أو المرشح لأبناء دائرته سواء من ماله الخاص أو التي تخصص لدائرته من ميزانية الدولة، وتلاشى دور أي تنافس فكري أو أيديولوجي بين المرشحين.
التغير الذي شهدته مصر بعد 25 يناير لم يؤثر كثيرا في آليات العملية الانتخابية، وفشلت الأحزاب الجديدة التي ظهرت على الساحة في إضافة أي مكون سياسي أو فكري للتنافس الانتخابي.
ظاهرة "المستقلين" التي سوف تشهدها الانتخابات المقبلة هي نتاج ممارسات استمرت لأكثر من ستين عاما، وملخصها أن الدولة لم تؤمن يوما بدور الأحزاب سواء حزب الأغلبية أو أحزاب المعارضة، واعتبرت أن أفضل من يدير الدولة هم المنتمين لجهاز الدولة وليس الكوادر الحزبية.