سرت.. عاصمة القذافي وبوصلة الصراع
لم تكن سرت عاصمة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي القبلية ومسقط رأسه ومكان مقتله مدينة هامشية، على التاريخ الليبي، إذا أنها مرت بحقب تاريخية بسبب موقعها الجغرافي الهام الرابط بين شرق ليبيا وغربها، إضافة إلى دخولها المعادلة العسكرية في الصراع القائم في ليبيا.
شهدت المدينة متغيرات سياسية وعسكرية على مدى القرن الماضي بدأت بالقتال ضد إيطاليا لتنتهي بمقتل القذافي وسيطرة تنظيم داعش عليها.
خليج التحدي
مدينة سرت الليبية الواقعة على خليج متفرع من البحر الأبيض المتوسط، والذي سمي على اسم المدينة، إذ كان يعرف باسم خليج السدرة، والذي شهد إبان الحرب الباردة مواجهات بين ليبيا والولايات المتحدة، وقد أطلق على المدينة اسم الرباط الأمامي بعد هذه المواجهات، وسمي خليجها للسبب ذاته باسم خليج التحدّي.
سرت من المدن المهمة قديما، وكانت محطة مهمة على طريق القوافل بين برقة وطرابلس وبين أفريقيا، أنشأت في عام 1885- 1886 ميلادي، خلال ولاية الوالي أحمد راسم باشا على طرابلس الغرب، إذ تولى إنشاؤها قائم مقام قضاء سرت عمر باشا المنتصر الذي تولى منصبه في سنة 1879، واستمر في منصبه أكثر من 30 سنة أشرف فيها على تأسيس المدينة ووطن بها من يرغب من قبائل البادية.
موقع استراتيجي
قبائل سرت العربية هي الهماملة والفرجان ومعدان وقماطة ولحسون والمزاوغة والربايع والمشاشي، إضافة إلى المغاربة والهوانة والزياينة وغيرهم من القبائل.
تعتبر مدينة سرت الآن من المواقع البالغة الأهمية لتوسطها بين الشرق والغرب الليبي، إضافة إلى أنها بوابة للمناطق الداخلية بفزان، ويمكن اتخاذها قاعدة للانطلاق إلى الواحات التي تقع إلى الشرق والجنوب.
في مرحلة الاحتلال الإيطالي، تمكن الإيطاليون من السيطرة على مدينة سرت في 31 ديسمبر 1912، وهي شاهد على أحداث تاريخية هامة فقد وقعت فيها أهم معركة ضد الإيطاليين في 29 أبريل 1915 وهي معركة القرضابية الشهيرة، إذ تلقى الإيطاليين بقيادة الجنرال أمياني هزيمة على يد القبائل الليبية، وتم عقد أول مؤتمر للوحدة الوطنية في 22 يناير 1922 إبان القتال ضد إيطاليا.
مقتل القذافي
بعد وصول القذافي إلى هرم السلطة في ليبيا، كان للمدينة وضع آخر، شهدت نهضة عمرانية، حيث أولاها اهتماما بالغا، ففي أواخر التسعينات من القرن الماضي شهدت المدينة إعلان الاتحاد الأفريقي في 9 سبتمبر 1999 بمجمع قاعات "واقادوقو" المعلم الأشهر في المدينة، إضافة إلى أنها شهدت توقيع اتفاق سلام البحيرات العظمى.
في تلك المدينة حرص القذافي على عقد اجتماعات مؤتمر الشعب العام الليبي بشكل دوري، ونظمت فيها المؤتمرات الدولية ومؤتمر للقمة العربية الثانية والعشرين، وتم ترشيحها لتستضيف بعض مقرات الاتحاد الأفريقي، وفي العام 2011، اختيرت سرت كعاصمة للثقافة العربية.
بعد اندلاع الثورة الليبية 17 فبراير عام 2011، لعبت سرت دورا مهما في حسم الصراع العسكري في ليبيا بداية منذ سقوط القذافي، الذي انتقل للاحتماء فيها عقب سيطرة الثوار على معظم أرجاء ليبيا، وانتقلت المعارك إليها ليلقى حتفه في 20 أكتوبر 2011.
عهد الصراع
عقب اشتعال الصراع السياسي في ليبيا مرة أخرى بين حكومتيين وبرلمانيين وجيشين، يحارب كلا منهما الآخر، ظلت سرت في منتصف المشهد بين حكومة طرابلس وبنغازي المتصارعتان إلى أن استوطن فيها تنظيم داعش وفرض سيطرته عليها لتصبح عاصمة لإماراته في ليبيا.
وسيطر مقاتلو داعش على كافة المناطق الحيوية في المدينة، بداية من مقر مجلس البلدية وجامعة سرت ومجمع قصور الضيافة والنقطة البحرية، وميناء سرت وقاعدة القرضابية فضلا عن كافة القواعد العسكرية في المدينة.
ولاتزال 3 إذاعات محلية بالمدينة تحت سيطرة تنظيم داعش، وتقوم ببث خطب لأبو بكر البغدادي، وأخبار عمليات داعش في سوريا والعراق، بالإضافة إلى نشر دروس الدين تطالب بمبايعة البغدادي خليفة للمسلمين.