فيديو| هرب "صموئيل" من "داعش" وبقي العجز يقهره في سمالوط
هرب صموئيل فوزي، 20 عاما، من مصير جيرانه وأقاربه المذبوحين في سرت، لكنه شاهد مصيره أمام عينيه، وهو يرى عناصر "داعش" تقطع رؤوسهم على سواحل المتوسط في ليبيا، فأحس عجزا لم يغادره مع رحيله من منطقة الشعبية قبل أكثر من شهر.
تمتليء قرية العور في مركز سمالوط بمحافظة المنيا، بصعيد مصر، بكثير من حكايات العائدين من ليبيا. ليست هذه هي المرة الأولى التي يحتجز فيها مسلحون عمالا مصريين في ليبيا، لكنها المرة الأولى التي يذبحونهم.
قبل شهرين عاد فرج عيد بكسر في قدمه خلال محاولته الهرب من المسلحين، الذين قبضوا عليه وزملائه، وأجبروهم على دفع ألف دينار عن كل منهم مقابل إطلاق سراحهم.
مساء الأحد الماضي، أعدم مسلحو داعش، 21 مسيحيا مصريا بقطع رؤوسهم على سواحل المتوسط، وبثوا الفيديو على الإنترنت.
كانت عائلات المختطفين في ليبيا تشاهد التلفزيون عندما أذاعت قنوات الأخبار النبأ بالصور، فتعرف عليهم ذووهم على الفور.
لم يكن "صموئيل"، نجار المسلح، ليخطىء التعرف على أبناء عمومته وجيرانه في شريط الفيديو. كانت ذكرياتهم سويا محفورة في مخيلته وزادت رسوخا منذ ليلة خطفهم من سكنهم في سرت، في يناير الماضي.
خطف "داعش" في بداية الأمر 7 من أقرباء وجيران "صموئيل" لدى عودتهم من ليبيا إلى مصر، انتوى السبعة السفر وحضر الميكروباص إلى سكنهم وخرج كثيرون من بلدياتهم لوداعهم. وغادر الميكروباص الحي في طريقه إلى بلاد النيل.
تختلف الروايات في القرية حول سبب تسليم سائق الميكروباص السبعة، وكانوا من المسيحيين، إلى مسلحي "داعش". يقولون إنه ضايقهم، أو ربما اختلف الطرفان حول ثمن الرحلة من سرت إلى مصر.
يقول رجل بالقرية إن مسلحي التنظيم خطفوا السبعة، وأجبروهم على الإفصاح عن مكان المسيحيين جيرانهم وزملاءهم في السكن.
وفي جنح الليل وصلت قوات "داعش" إلى سكن المصريين في سرت، واقتحمت المنزل وهو عبارة عن حوش تلتف حوله غرف كثيرة، يؤجرها صاحبه إلى العمالة الوافدة.
يقول صموئيل "حسينا بيهم بره وهم لسه بيدخلوا البيت، طفينا النور ومعملناش صوت، فضلوا يخبطوا علينا لحد ما الباب كان هيتكسر بس مفتحناش، كأن مفيش حد موجود، اللي كان بيفتح كانوا بياخدوه، كانوا بيبصوا في الجواز، اللي مسلم يسيبوه والمسيحي ياخدوه".
تمكن "صموئيل" وآخرون من الهرب، يقول "أول ما طلع علينا الصبح مشينا بالهدوم اللي علينا، سيبنا كل حاجة ورانا، اتصلت بمقاول كنت شغال معاه، وقولتله عايز أروح، دبرنا سيارة، وواحد من المخابرات ساعدنا".
بدا "صموئيل" شارد الذهن في حديثه لـ"دوت مصر" يقول "نشكر ربنا"، لكنه شاهد مصيره أمام عينيه عندما ظهرت صور أقرباءه مذبوحين على شط المتوسط في ليبيا، وتذكر أنه قليل الحيلة فيما حدث "حسيت بالعجز لما شفتهم على التلفزيون".
يجلس "صموئيل" في سرادق العزاء مكفهر الوجه تخرج الكلمات من بين فكيه وكأنها تخرج من بئر عميق. للدم في صعيد مصر حرمة تختلط بالتقاليد والدين وأشياء أخرى.
يخشى الشاب صاحب الـ20 ربيعا لوم أحد أو شيء على رحيله إلى الموت، يختم حديثه دائما بعبارة "نشكر ربنا"، لكنه يعود ويقول "يعني كنت هاعمل إيه هنا مفيش حاجة اشتغلها، إحنا عندنا حتة أرض بنزرعها بالإيجار، ومش جايبه همها ولا حق الشقا (الشقاء) فيها".
على أصوات البكاء والنحيب باتت قرية العور ليلتها الثانية، لا شيء يطمئنها. كثيرون ما زالوا في ليبيا. وما زال الفقر يسكنها، وتشكو جدران منازلها القديمة عوزا لا تسده 30 جنيها، هي يومية الأجير في الفلاحة بالقرية.