التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 10:21 ص , بتوقيت القاهرة

أنا جندي مصري!

الخميس الماضي، لم يضرب جرس الساعة الثامنة صباحا في مدرسة "القلب المقدس" بالإسكندرية لكي يبدأ اليوم الدراسي كالعادة، لم يحدث ذلك على مرمى مائة عام هي عمر المدرسة الصغيرة التي تديرها راهبات كاثوليك، وتفتح بابها للجميع.


هذا يوم استثنائي في حياة هذه المدرسة التي سار فيها كل شيء هادئا ودقيقا منذ فتحت أبوابها لاستقبال التلاميذ، لم أتخرج في هذه المدرسة، كانت قريبة من بيتي في الإسكندرية، في طفولتي، كنت أشم منها رائحة أشجار البرتقال في أول موسمه، واعتقدت دائما أن خلف أبوابها تلميذات يشبهن زهور الياسمين التي زُرعت على طول سورها القديم.


تذكرت مدرسة القلب المقدس، حين وجدت أمامي قصة إنسانية من حب ومشاعر وبساطة، تنجو من كل عواصف الحياة وأزماتها، القصة بطلتها السيدة "ميري"، راهبة فرنسية ولدت في مصر، ربما ولدت في المنزل الملحق بكنيسة المدرسة، "ميري" احتفلت الأسبوع الماضي بعامها الثامن والستين، احتفال بسيط هادئ، غنى لها تلميذاتها الصغيرات بعض من أناشيد المدرسة بصوت عميق ونغمة لا تخلو من بهجة، وانتهى اليوم.


في اليوم التالي فوجئت أن المدرسة تقيم لها حفل تكريم لأنها يجب أن تعود إلى باريس لتقضي ما تبقى لها من عمر هناك، المفاجأة لم تكن لها وحدها، كانت أكثر لتلميذات المدرسة اللاتي فوجئن بقرار استبعاد المدرسة التي منحتهن الحب قبل أن تعلمهن الكلمة والحرف، لمرة واحدة قررت التلميذات كسر القاعدة فى مدرسة لها طقوسها ونظامها الصارم، لم يذهبن إلى طابور الصباح.. إنما ذهبن يعلن رغبتهن في بقاء "ميري" الجميلة "ميري"، التي علمتهن من ضمن ما علمت: أن الله للجميع، الله في السماء واحد.. حتى لو كنا على الأرض نحمل شتى الأفكار، الله هو العدل، هو الخالق الذي نرفع إليه جميعا دعواتنا لكي يقبلنا في رحمته.


"ميري" مصرية رغم جذورها الفرنسية، مصرية قبل أن تكون مسيحية، نحن نمارس شعائر الوطن قبل أن نكبر ونفهم ونمارس شعائر الدين الذي نعبد به الله.


مدرسة القلب المقدس، تشبه وطننا المفتوح على كل الاحتمالات، لكنّه في كل أحواله يعرف من شركاء الأرض والقلب والعمر.


تذكرت قصة "ميري" في العاشرة من مساء أمس، حين قفز إلى تليفوني خبر ذبح 21 مصريا يعملون فى ليبيا على يد التنظيم الإرهابي، تصادف أن المذبوحين من مسيحي مصر، الأصح: منا، من نفس هذه الدماء التي حاربت لمصر كل الحروب، من نفس هذه اللفحة السمراء التي تجعلنا كلنا شبه بعض.


تذكرت "ميري"، لكي أقف على مدى الحزن في قلوبنا ونحن نودع شهداء وطن إلى مثواهم الأخير، ونبكي، كلنا نبكي، كلنا مصريون نبكي، إلا من أصبح قلبه حجرا في صدره، نعم .. نحتاج أن نخرج غدا عن الواجب اليومي والنظام اليومي والشجب اليومي والتنديد اليومي، ونطالب أولا أن نفهم جميعا أننا في حالة حرب، هل نفهم ؟ يجب أن نفهم، أن نصبح كيانا واحدا في وطن واحد، ليس من مصلحة أحد الأن أن يخرج عن الصف لكي يبحث عن مكسب شخصي أو يصبح مختلفا مختالا بنفسه.


 الآن حان الوقت لكي نحارب، وسوف ننتصر، المصري شعب (فيه العبر)، لكنّه جبار في ثأره، لا يتوقع أحد مساره أو مصيره. المهم أن نفتكر إن (دي مصر). ونتذكر: أنا جندي مصري . كلنا جنود وطن يجب أن يعيش .