التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 01:26 ص , بتوقيت القاهرة

شلوت قبضاي

شلوت قبضاي هو اللي يجيب لك حقك ويرجع لك فلوسك ويضرب اللي ضربك ويعور اللي تعدى عليك.. وهو شخصية مرموقة له كارت يقدم فيه نفسه وخدماته الجليلة.. وللكارت شكلان: إما مطواة أو مسدس.. وقد عرفت شلوت قبضاي بالصدفة، وأنا أقلب قنوات التليفزيون لأجده ضيفا لا على أحد البرامج ولكن على حلقة من حلقات مسلسل (راجل وست ستات).. ويجسد دور المعلم شلوت قبضاي الكوميديان الرائع محمد لطفي.


وإذ يستنجد به بطل المسلسل أشرف عبد الباقي ليسترجع له بعض المال الذي كان أحدهم قد أخذه على سبيل القرض ولم يعده إلى البطل، تجد شلوت قبضاي وعصابته في غاية الشهامة والجدعنة.. فهو يسأل أشرف عبد الباقي سؤالا محددا: مش المال ده حقك عند المعلم تي تي؟ فيجيب: نعم.


وبمنتهى الشجاعة يقول شلوت: أنا بأه اللي هجيبلك حقك.. أنا بتاع (حقوق الإنسان).. وهو لا يأخذ من مبلغ الدين أكثر من 40 في المنيا فقط (يعني 40 في المية).. وهذا نظير خدمات الإرهاب التي سيقوم بها ليعيد ما تبقى من المال لأشرف عبد الباقي.. وهو على استعداد لأي خدمة حتى لو وصلت لعاهة مستديرة (يعني عاهة مستديمة).. كله عشان حقوق الإنسان ترجع لكل إنسان!


ماذا لو تحولت هذه الكوميديا إلى عالم الجد؟! ستجد جماعات سرّية يترأسها شلوت قبضاي تقوم بدور الشرطة والقضاء.. وسيكون لهم سلطات الضبط، والقضاء، وإصدار الأحكام، وتنفيذها أيضا.. وسيكون لهم أن ينتقموا من الأشرار والإرهابيين حتى لو استخدموا الطرق الإرهابية ذاتها.. وقد تتحول عملياتهم إلى القتل وسفك الدماء والحرق والنهب وكله من أجل حقوق الإنسان.. تخيل لو أن جماعة سرية قامت بهدف استعادة حقوق الإنسان التي يضيعها الإرهابيون.. ماذا سيحدث؟


ستحرق تلك الجماعة السرية ممتلكات الإرهابيين كلما مدوا أياديهم لحرق خطوط الغاز.. وستستهدف شبابهم كلما استهدف شرطي أو جندي أو مفكر.. وستفجر بيوتهم كلما فجروا خط السكة الحديد أو أوتوبيسات النقل العام أو غيرها.. وسيكون هناك ضحايا أبرياء يطولهم الحريق والتفجيرات وتخطئ رصاصات الانتقام فتصيبهم.. لكن سيكون التبرير واضحا: ألا يسفكون هم دماء الأبرياء؟ فليتحمل الأبرياء ضحية أو اثنتين حتى تتم العمليات الانتقامية وينتهي هذا الإرهاب الأسود.


الجماعات السرية موجودة بكثرة في تاريخ الأمم وهي ليست خيالا بعيد التحقيق، وقد قامت ثورات الشعوب على نشاط الجماعات السرية ضد المحتل العنيد.. الجماعات السرية تنهض عندما تختفي سلطة الدولة وتنهار قوتها، وعندما تقوى جماعات الظلم وتقهر المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة.. وجماعات الظلم قد تكون احتلالا خارجيا أو داخليا.. لا يهم.. المهم هو قدرة الدولة على استعادة حقوق الإنسان لمواطنيها وتوفير الأمن والأمان لهم حتى لا يلجأوا لشلوت قبضاي.


وشلوت قبضاي نفسه ليس جديدا على التاريخ الإنساني.. فقد كان (روبن هود) وعصابته الشهيرة يسرقون الأغنياء حتى يطعموا الفقراء في العصور الوسطى.. وإذا كان روبين هود هو النسخة الإنجليزية القديمة، فيوجد مثيله في الأدب الفرنسي ألا وهو اللص الظريف (آرسين لوبين).. ويقولون إن (علي الزيبق) كان مثلهما أيضا أثناء عصر المماليك في مصر.


ومثل تلك الشخصيات تحظى غالبا بتأييد وحب الجماهير البسيطة وقد يرفعون تلك الشخصية لمرتبة الرسل والأنبياء ويقدسونهم كما هي عادة الشعوب في تقديس كل من ينتقم للمظلومين وينتصر للفقراء.. وتتعامى أنظار العامة عن كل أخطاء روبين هود ولوبين والزيبق بل وشلوت قبضاي أيضا.. أتعلم لماذا؟ لأنهم دعاة استرجاع حقوق الإنسان مهما كانت الأثمان.. حتى لو على حساب حقوق إنسان آخر.


لو لم تقو يد الدولة وينتصر فيها الحق والعدل بقوة وسرعة وسلطان بل وجبروت، سيظهر ألف شلوت قبضاي بألف عصابة.. وبدلا من استعادة حقوق الإنسان سيختفي الإنسان نفسه.