التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:09 ص , بتوقيت القاهرة

كيف نقرأ حوادث مقتل الأقباط بليبيا؟

<p>المصادر الموثوقة من داخل تنظيم داعش بليبيا، أكدت أنه ذبح الأقباط المصريين، وحتى يتم الإعلان عن هذه الجريمة البشعة، يمكننا قراءة ما جرى من هذا التنظيم في 3 مستويات، أولها التراث الديني المهيمن على التنظيم، وهو فقه القرون الأربعة الهجرية الأولى وترك ما عداها، وتعدد فتاوى التكفير، وجواز قتل الأقباط، وثقافة الكراهية الواسعة لهم، مما أسس لعدد كبير من الجرائم.</p><p>أما ثاني مستوى فهو حدود انتشار هذا التنظيم في ليبيا، إذ إن حالة الاستقطاب الحاد التي جرت بين القاعدة وداعش في ليبيا انتهت إلى وجود عدة كتائب بايعت أبو بكر البغدادي، <span style="color:#FF0000;">أولها</span> البتار، و<span style="color:#FF0000;">ثانيها</span> جند الخلافة، و<span style="color:#FF0000;">ثالثها</span>، كتيبة أبو محجن الطائفي، وبعض المجموعات التابعة لأنصار الشريعة، التي وقع فيها انقسام حاد بين أعضاء التنظيم حول مبايعة داعش، انتهى إلى رفض الزهاوي البيعة، بعد نقاشات مع أبو عياض التونسي، زعيم أنصار الشريعة بتونس، حتى مات الزهاوى في ظروف غامضة، يقال إنها معركة بين التابعين لداعش والتابعين للقاعدة.</p><p>وثالث المستويات، هو أن التنظيمات سواء التابعة لداعش أو القاعدة تؤمن أن فتح حرب إقليمية مفتوحة تكون هي أحد أطرافها المهيمنة، هو الوسيلة الوحيدة لتوقيف الدولة المصرية عن دعمها لقوات حفتر.</p><p>وترى تلك التنظيمات أن النظام السياسي المصريّ الحالي يدعم قوات حفتر بالمال والسلاح، إضافة إلى دول الخليج وخاصة دولة الإمارات، وأن العمل على نقل المعركة لمصر، هو وسيلة دفاعية يستطيع التنظيم بها مقاومة الجيش المصري.</p><p>وقد استخدمت التنظيمات استراتيجية إدارة التوحش التي تحدثنا عنها من قبل، والتي تعني العمل على خلق الفوضى في البلاد التي يستهدف التنظيم السيطرة على مقاليد الحكم فيها أو جعلها ملاذا آمناً لعناصره على أقل تقدير.</p><p>وفي أثناء عمل تلك التنظيمات على استمرار حالة الفوضى الأراضي الليبية كانت أعينهم معلقة بالحدود الغربية لليبيا، حيث تقبع الدولة المصرية بنسيجها الاجتماعي المتماسك ودولتها الراسخة وجيشها الوطني الذي يأبى على التفكك منذ نشأته على يد محمد علي باشا.</p><p> وبعد الإطاحة بنظام الرئيس المعزول مرسي، توجهت التنظيمات المتطرفة، إلى استهداف المواطنين الأقباط، في محاولة لضرب الاقتصاد المصري ومحاولة تصدير القلاقل للداخل المصري والعمل على زعزعة نسيج الدولة الاجتماعي.</p><p>وتعتمد تلك التنظيمات على فقه نصوصي تراثي قديم، يحتاج إلى تقويم، لأن عدم التثبت من صحة بعض النصوص أو الالتباس في فهمها ووضعها فى إطار غير إطارها أو تاويلها وتحميلها بغير ما تحتمل أدى إلى ما حدث من جرائم، وهو الذي جعل بعض العاملين يضعون أحكاماً نهائية للعلاقة بين الأمة وسائر الأمم قائمة على المواجهة وآية السيف التي يقول عنها الشيخ سيد قطب إنها نسخت 124 آية، وطلب الله فيها من المسلمين القتال "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقلتوا المشركين حيث وجدتموهم".</p><p>لقد خضع تأويل النصوص لتصورات الحقبة التاريخية الماضية عندما كانت أمة الإسلام هي الغالبة، وكانت العلاقات الدولية قائمة على أساس فكرة الغالب والمغلوب وشكل الفقه وخضع لذلك الظرف التاريخى، رغم أنه تجاهل إجماع العلماء، على أنه بلغ من رعاية الإسلام لحرمة أموال الآخرين وممتلكاتهم أنه يحترم ما يرونه مالاً وإن لم يكن كذلك فى نظر المسلمين، مثل الخمر والخنزير اللذان لا يعتبران عند المسلمين مالاً متقوماً، ولا يجوز للمسلم أن يمتلكهما.</p><p> أما إذا امتلكهما الآخر، ففي الفقه الإسلامي يُعتبران مالاً يجب حمايته، قال تعالى {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون}. وهذه الآية لا تدعو فقط إلى التزام المسلم بأن يهُب إلى نجدة غير المسلم وحمايته، وإنما تطالبه بأن يقف إلى جواره حتى يخرجه من محنته، وفي هذا دعوة إلى الإسلام وإلى سماع كلام الله.</p><p>والنبي الكريم أمضى عشرات السنوات في اتصال دائم مع الآخرين من حوله رغم مشاعر العداء والغزوات والحروب وممارسات الظلم وكيد قريش، ورغم ذلك فقد أيدها في صلح الحديبية، وقال صلى الله عليه وسلم: لا تدعوني قريش إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم وفي قول آخر تعظيم قربات الله إلا أعطيتها إياها".</p><p> ولعل هذه المشاركة وعدم المقاطعة يكمن فيها تعظيم حرمات الله ويكون فيها مصلحة للدين والحوار الهادئ الرزين والمشاركة الطيبة والمعاملة الحسنة لتؤدي إلى نتائج إيجابية ومصالح مهمة، يُمكن أن تفيد الإسلام عقيدة وشريعة وسياسية وحكما، فأي مصالح دينية هي في قتل عمال عزل، لا ذنب لهم سوى أنهم أقباط؟ وأى فقه هذا الذي يجيز الحرق والقتل بالهوية والبطاقة الشخصية؟</p>