التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:23 ص , بتوقيت القاهرة

الصحابة لا يلتزمون بالنص

هل كان الصحابة يلتزمون حرفيا بكلام الرسول عملا بمبدأ/ وهم، لا اجتهاد مع النص..؟

تعالى نشوف..

جاء أعرابي للرسول يسأله عن ضالة الإبل. وهي الجمال التي تاهت عن أصحابها.. قال الرسول، "مالك ولها. ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها." أي صاحبها.. /متفق عليه.

الكلام واضح.. لو وجدت جملا تائها فلا تقترب منه. دعه لشأنه يأكل ويشرب حتى يجده صاحبه. أمر مباشر وواضح من الرسول.

ظل الأمر كذلك على عهد أبي بكر وعمر.. وجاء عثمان فغير الحكم.

أمر عثمان بأخذ هذه الجمال. وبيعها. وإيداع ثمنها لدى بيت المال تنتظر صاحبها لو أتى استلمه. (مالك في الموطأ /كتاب اللقطة)

قال محمد بن الحسن، كانت ضالة الإبل على زمن عمر مرسلة لا يمسها أحد.. فإذا جاء زمن عثمان أمر ببيعها فإذا جاء صاحبها أعطى ثمنها.

الرسول أمر بتركها.. وقال للأعرابي بوضوح: مالك ولها.. ربما ذلك لانتشار الأمانة في مدينة الرسول، فكان الناس لا تقرب الحرمات لحداثة الإيمان وقوته في قلوبهم. وربما كانت الظاهرة غير منتشرة فلا تمثل خطرا كبيرا.

على عهد عثمان اختلفت الأحداث.. وخشى على هذه الجمال من السرقة.. وربما صارت ظاهرة تقلق الناس في الطريق لكثرة انتشار الإبل الضالة. فاجتهد الرجل. رغم وجود نص. وخالف كلام الرسول قليلا لاعتبارات المصلحة العامة. مع حفظ حق صاحب الإبل في اقتضاء ماله.

وفي ولاية علي بن أبي طالب لم يلتزم بقضاء عثمان، فرأيه أن الثمن ليس بديلا عن الشيء. أيضا لم يلتزم حرفيا بكلام الرسول.. ورأى أن يتم إمساكها عن الطريق وحبسها مع توفير الطعام والشراب إلى أن يأتي صاحبها.

على فكرة الموضوع مش صغير.. الجمل ممكن يتجاوز ثمنه 15 ألف جنيه.. لو قمنا بتشبيه حديث، في بعض الولايات بكندا لو ركنت سيارتك في غير المكان المخصص فلن تجدها في الصباح. لأن الكاسحة التي تكسر ثلوج الشتاء ستجرفها في طريقها.. في مصر احنا البلد الوحيدة اللي بنركن صف رابع.. لكن سرقة السيارات صارت أكثر من سرقة الموبايلات.. يعني الرسول لو كان عايش معانا كان كلامه بدلا من الإبل كان هيتكلم عن ركن السيارات.

وهنا تجدي أن كلام الرسول أقرب للواقعية.. وطالما يتحدث في شأن دنيوي فليس من السنة الاستمساك الحرفي به على قدر ما نحقق المصلحة.

مثال ثان.. صحابي اسمه عروة البارقي. كان sales man شاطر من غير ما ياخد كورسات في الـ AUC، ذكي وابن سوق ومتميز في البيع والشراء.

أعطاه الرسول دينارا ليشتري به شاة.. فذهب عروة، وساوم، واشترى بالدينار شاتين.

وفي الطريق باع إحدى الشاتين بدينار.. وعاد للرسول ومعه الدينار والشاة!

قال له الرسول: بارك الله لك في صفقتك.. (رواه أحمد وأبو داوود والترمذي).

عروة البارقي معه أمر محدد من الرسول.. شراء شاة. عنزة. بدينار ( 4جرامات ذهب) عروة خالف الكلام واشترى اثنين. وباع واحدة. وعاد للرسول بأصل المال والشاة.. وبدلا من أن يلومه الرسول لأنه لم يلتزم بالكلام نصًا، استحسن فعلته ودعا له بالبركة..

كأن الرسول يقر أن من يجتهد ليصل للأحسن في شؤون الحياة، حتى لو خالف ظاهر النص، هو الأفضل.

مثال ثالث.. عن علي بن أبي طالب كما جاء في البخاري..

عين الرسول رجلا من الأنصار أميرا على سرية. وأمرهم بطاعته.. وفي الطريق أغضبوه.. فأوقد نارا وقال ألم يأمركم الرسول بطاعتي.. قالوا نعم.. قال ادخلوا هذه النار.. ارتبك المشهد.. بعضهم يريد الالتزام الحرفي بكلام الرسول، وذهب ليدخل النار المشتعلة في الحطب.. والباقون قاموا ومنعوهم من هذا الفعل الأحمق. وقالوا: إنما فررنا إلى الرسول من النار.

وذهبوا للرسول، وحكوا له الحدث.. فقال كلمة رادعة:

"لو دخلوها لظلوا فيها. إنما الطاعة في المعروف."

الرسول يضع نهاية لمن يؤذي نفسه و غيره بدعوى الالتزام بالنص.. النار مصيرهم في الدنيا والآخرة.. ويضع قاعدة عريضة تتجاوز النص. الطاعة في المعروف. أي ما تعارف عليه الناس أنه خير.

إذن فالرسول يعلم الصحابة أنه يجب أن يمر الكلام على عقلك أولا. وتنظر مدى ملائمته للواقع. وما يترتب عليه من نفع وضرر. ثم تطيع أو ترفض.. حتى لو كان كلام رسول الله.. والصحابي عروة البارقي لا يلتزم بأمر الرسول مباشرة ويجتهد ليأتي بالأفضل.. وعثمان يمسك ضالة الإبل ويبيعها على خلاف أمر الرسول المباشر بعدم التعرض لها.

تلك هي مرونة الإسلام. المنطق والعقلانية وتحقيق المصلحة. بعيدا عن المتاجرين بالشعارات والنصوص.

طيب تعرفي إيه كلام الرسول اللي نلتزم به نصا وحرفا التزاما صلبا لا نحيد عنه.. وهو أصل الدين وهدف الرسالة.. وللأسف هو دا اللي بنفرط فيه ونتركه ونتناساه.

- الرسول قال: من أقال مسلما عثرته أقال الله عثرته يوم القيامة.. (ابن حبان).

وفي رواية: من أقال نادما أقاله الله.. (البيهقي)

أقال: غفر وتجاوز.. عثرة: خطأ وسقطة.. أقاله الله يوم القيامة: أي تجاوز عن سقطاته وأخطائه.

هل نفعل ذلك في حياتنا..؟ نتجاوز عن عثرات الناس.. ولا إحنا بنقف لبعض على الواحدة.. حبيبك يقرقشلك الزلط. والرسول عايزنا حبايب.

- يقول عليه الصلاة والسلام: "إنما يرحم الله عباده الرحماء" .(البخاري).

فهل اشتهر المسلمون بالرحمة بين الشعوب..! هل هي شعار المعاملة والسلوك في الإعلام الدولي عن الإسلام..!

- ويحكي الرسول عن تاجر كان يداين الناس. أي له ديون عند الناس. وكان يقول لفتيانه، إذا رأيتم معسرا تجاوزوا عنه، لعل الله يتجاوز عنا.. فتجاوز الله عنه".(البخاري).

نصف التجار مليونيرات. ونصف الستات اللي بتشتري بوتجازات عشان جواز بناتها بتمضي على نفسها شيكات وتخش السجن. لدرجة ان في عنبر في السجن اسمه عنبر البوتجازات.

فهلا تجاوزنا عن الناس..!

انظر حولك وطبق المعايير وشوف إحنا بنسمع كلام الرسول ولا لأ.