التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 02:57 م , بتوقيت القاهرة

مُسلَّمة الحرية والمسؤولية

<p>عندما يتكرر تعرضنا كمجتمع يدعي التحضر ـ إلى كوارث أشبه بالفضائح، يصبح الإنصات إلى كل الآراء طبيعيا وضروريا. فما حدث مؤخرا في ملعب "30 يونيو" كفيلٌ بأن يُشعرنا جميعا بالعار والغضب.</p><p>علينا أن نستمع إلى الآراء التي تُلقي باللائمة على الجمهور بذات الاهتمام الذي نمنحه للآراء التي تُحمِّل رجال الشرطة المسؤولية كاملة. وعلينا أن نحاول تفهُّم وجهات النظر التي ترى الكارثة الأخيرة ناتجة عن الأزمة السياسية أو ارتفاع أسعار الأسماك أو سوء حالة الطقس دون تفضيل إحداها على الأخريات. وفي كل الأحوال لا يجب أن نغفل عن حقيقة هامة تكشّفت لنا في السنوات القليلة الماضية، وهي أن الآراء تُبنى على المعرفة بذات القدر الذي تُبنى فيه على الهوى.</p><p>وإن كنا نقبل- على مضض- أن تكون آفة الرأي الهوى (كما تذهب المقولة القديمة)، فلا نقبل أن يعرض البعض أهواءهم الشخصية علينا كمسلَّمات غير قابلة للمناقشة. ويُلاحظ أن في كل مرة يقع فيها حادث شبيه بحادث استاد "30 يونيو" تتكرر مسلَّمات ثابتة تترك أثرها على وعينا الجمعي كما يترك الجدري بثوره على الوجه. ومن أكثر هذه المسلّمات إثارة للدهشة هو اعتبار الدولة مسؤولة عن حماية المواطنين والحفاظ على أرواحهم في كل الأوقات وتحت كل الظروف.</p><p>قد يقبل المرء، إن كان من هواة الاشتراكية أو من دعاة الكسل، أن تلتزم الدولة بتوفير التعليم والمأكل والملبس والمسكن والمشغل والمكتب والملعب والمسبح والمرسم والمشتى والمصيف للمواطنين، لكن كيف تلتزم الدولة بحمايتهم في كل تلك الأماكن دون أن تتوفر الظروف الملائمة لتوفير تلك الحماية.</p><p>الدولة مسؤولة لا ريب عن حماية المواطن. والمواطن هو الذي يلتزم بالعقد المبرم بينه وبين المواطنين الآخرين والذي يتمثل ببساطة في الالتزام بالقوانين والقواعد. وتتكفل الدولة بحماية كل الملتزمين بلا تمييز. وإن كانت هناك قواعد وقوانين يرى أغلبية المواطنين عدم ملاءمتها لهم فمن حقهم المطالبة بتغييرها من خلال مؤسسات الدولة الشرعية.</p><p>إن المواطن الذي يقرر بملء إرادته الخروج على القوانين والقواعد ـ أيا كان دافعه ـ هو الذي يتنازل عن حقه في حماية الدولة له. قد نلوم الدولة على سوء حالة المواصلات، لكن لا يُمكن اعتبارها مسؤولة عن حماية من يسافرون مستلقين على أسطح القطارات.</p><p>وقد نلوم الدولة على قلة فرص العمل، لكننا لا يُمكن أن نلومها لعدم توفير الحماية لمن يقررون خوض البحار في زوارق لا تصلح للصيد في البحيرات. قد تكون الدولة مسؤولة عن مراقبة الأدوية، ولكن من الصعب أن نطالبها بحماية الراغب في تناول مسكنات الألم القوية للغياب عن الوعي. كذلك من واجب الدولة أن تعمل على توفير الطرق الآمنة، لكن من واجب المواطن كذلك ألا يقود سيارته على سرعات جنونية. وقد تكون الدولة قد أخطأت عندما قررت أن تعيد السماح للجمهور بمشاهدة المباريات ظنا منها أن أي إنسان لابد وأن يكون حريصاً على حياته.</p><p>إن اعتبار الدولة مسؤولة عن حماية المواطن في كل مكان بغض النظر عن أفعاله هو نفي للفرد والإرادة العاقلة. ولو أخذنا هذا الرأي كمسلّمة لا تقبل النقاش لن يكون من حقنا أن نعارض الدولة أو نحاسبها في أي تصرف تأتي به في حقنا. إن المواطن الذي يطلب من الدولة أن تتسامح مع أخطائه يتنازل عن فرديته. فالفردية هي القدرة على الاختيار وتحمل مسؤوليته، وتلك بدورها أساس الحرية وجوهرها.</p><p>نحن أفراد أحرار مسؤولون عن تصرفاتنا وندرك مصالحنا الشخصية أكثر من أي  جهاز أو مؤسسة أو هيئة. وتكمُن حريتنا وحمايتنا في القانون ولا شيء غيره. القانون هو التعاقد الذي يلزم الدولة بمعاملتنا كالرجال. ومن يتصرفون كالصبيان تعاملهم الدولة كالرضع. ومن يسيرون سير الذئاب يلقون مصير الغنم.<br /> وهذه من المسلمات أيضا.</p>