التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 01:28 م , بتوقيت القاهرة

لماذا استمرت الملكيات ؟

يرصد أحد التقارير الواردة بالعدد الأخير من مجلة "الإيكونومست" البريطانية ظاهرة تستدعي التحليل وتتعلق بالمملكة العربية السعودية، وهي أن المملكة استطاعت أن تعبر أحداثا عاصفة في تاريخها الحديث، ظن البعض أنها سوف تقتلع النظام وتقضي عليه، ومنها المد الثوري القومي الذي اجتاح المنطقة فى الستينات، والثورة الإسلامية في إيران في أواخر السبعينيات، وموجة الإرهاب والتفجيرات التي تعرّضت لها المملكة، وأخيرا أحداث الربيع العربي. ولكن أبناء الملك عبد العزيز استطاعوا اجتياز كل هذه التحديات.


في المقابل نجد أن العديد من النظم الجمهورية في العالم قد تعرّضت لعدم الاستقرار أو الصراعات الأهلية، أو فشل الدولة وانهيارها.


وهنا يثور السؤال لماذا استمرت الملكيات ونجحت في التعامل مع التحديات التي واجهتها في حين فشل في ذلك العديد من النظم الجمهورية؟


البعض يشير إلى الثروة البترولية التي تملكها بعض الملكيات، واستطاعت استخدامها في تحقيق التنمية والحفاظ على ولاء مواطنيها. هذه حقيقة من الصعب الجدل بشأنها، ولكن من ناحية أخرى نجد مظاهر نجاح واستقرار لملكيات أخرى لا تملك ثروة بترولية مثل الأردن والمغرب، ونجد جمهوريات تملك ثروة بترولية ولكنّها فشلت في تحقيق تلك الأهداف، وانتهت إلى انهيار وحرب أهلية كما هو الحال فى ليبيا.


هناك آخرون يشيرون إلى طبيعة التحالفات الدولية التي ساعدت على الحفاظ على الملكيات لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية، وهذا صحيح أيضا ولكن هذا الأمر ينطبق كذلك على العديد من الجمهوريات بالمنطقة.


هناك عامل آخر لم ينل نصيبه من التحليل الكاف، وهو دور المؤسسية في النظم الملكية. فبالرغم من أن هذه النظم تتمحور حول شخص هو الملك. إلا أن هناك شكلا من المؤسسية قد ترسخ بتلك البلدان، والمؤسسية لا تشير بالضرورة إلى هياكل تنظيمية حديثة للتمثيل السياسي، ولكن تشير إلى ترسيخ قواعد وتقاليد مؤسسية للحكم بما في ذلك تلك المتعلقة بانتقال السلطة، وقد شهدنا منذ أسابيع قليلة كيف انتقلت السلطة بشكل سلس في المملكة السعودية باختيار الملك سلمان خلفا للعاهل الراحل الملك عبدالله، وكذلك اختيار ولي للعهد  وولي لولي العهد. أي تم حسم مسألة الخلافة في الحكم  لعدة عقود في المستقبل.


سؤال آخر لماذا فشلت العديد من الجمهوريات في هذا الاختبار المتعلق بالانتقال السلمي المنظم للسلطة الحاكمة؟


الإجابة هنا ترتبط مرة أخرى بالمؤسسية. فبالرغم من أن الجمهوريات يفترض أن تقوم على المؤسسية وليس الحاكم الفرد كما هو الحال في الملكيات. إلا أن العديد من الجمهوريات العربية تحولت من حيث الواقع إلى ملكيات بالتركيز على الفرد وليس المؤسسات، فغابت المؤسسية كهياكل تنظيمية، وغابت المؤسسية كقواعد وتقاليد راسخة تحكم الحياة السياسية.


ويظهر هذا الأمر بشكل واضح في مسألة انتقال السلطة والخلافة فى الحكم والتي أصبحت تمثل التحدي الأساسي أمام العديد من الجمهوريات العربية، كما ظهر بشكل واضح في إطار ما يعرف بالربيع العربي.


الخلاصة التي قد تثير المزيد من الجدل هي أن العديد من النظم الملكية فى العالم العربي قد اكتسبت بعض طبائع الجمهوريات من حيث ترسيخ قواعد وتقاليد راسخة للحكم، وإنشاء مؤسسات للتوافق السياسى حتى وإن أخذت شكلا محدودا وتقليديا مثل مؤسسة البيعة فى السعودية.


في المقابل، نجد أن العديد من الجمهوريات العربية قد اكتسبت صفات ملكية بتمحورها حول شخص الحاكم توافر بعض ملامح للمؤسسية في النظم الملكية هو أحد أسباب استمرارها واستقرارها، وغيابها في النظم الجمهورية هو أحد أسباب تعثرها وانهيارها.