التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 03:00 م , بتوقيت القاهرة

نزع الحجاب حدادا على معاذ

<p>أحرقت داعش الشاب معاذ الكساسبة حياً بعد تجويعه لخمسة أيام، كان حكم المحكمة الشرعية الداعشية عليه هو الحرق حيًا وهو جائع. فُجعت كما فجع غيري، وغردت في حسابي على "تويتر" بالتغريدة التالية:</p><p>#حرق_الطيار_الاردني<br />كل من له لحية فليحلقها...<br />كل من ترتدي حجاب فلتخلعه...<br />حداداً على معاذ</p><p>بعد التغريدة تلقيتُ سيلا من الشتائم، وقمت بأكبر حملة "بلوكات" منذ افتتحت حسابي التويتري. البعض رد مقترحًا عليّ بأن أنْتَحر والبعض الآخر قال أغلقي فمك "يامخلوعة"! لا أعلم عن أي خلع يتحدث (ربما ضرس العقل الذي خلعته مؤخراً)!</p><p>معاذ وما أدراك ما معاذ،<span style="color:#FF0000;"> لماذا نخلع الحجاب حداداً عليه؟</span> لماذا نحلق اللحية حداداً عليه؟ لماذا نسمع الموسيقى الصاخبة حدادًا عليه؟ لماذا وكيف يكون ذلك؟</p><p>هل جُعلنا من أجل الدين أم جُعل الدين من أجلنا؟ هل يُفترض منا أن نبذل كل شيء (حتى حياتنا) في حماية الدين والدفاع عنه أم يُفترض من الدين أن يحمينا من أنفسنا ومن الرذيلة ويحسن حياتنا، ومن الله أن يكون معنا يساعدنا على هذه الحياة "الصعبة"؟ هل الدين أهم من حياة إنسان؟</p><p>أسئلة مهمة إجاباتها تحدد أولوياتك.</p><p>لمن عندهم خلل في الأولويات، فتجده يثور كالثور الهائج حين يرى شخصا شاذ جنسياً بالرغم من أن الشاذ مسكين، وإنْ أذى لا يؤذي إلا نفسه. يثور على الشاذ ولكنّه يتسامح مع الإرهابي ويتفهمه ويؤصل للإرهاب شرعياً (سواء مع أو ضد)!</p><p>أكثر تعليق مثير للاشمئزاز على حادثة معاذ هو ذلك التعليق الذي يراجع المسألة بمنظور تقني شرعي، ليخلص أن كانت هذه الوحشية حلال أم حرام! فمنهم من يقول: "ألا يعلم الدواعش أن الحرق بالنار منهي عنه، وأنه لا يحرق بالنار إلا رب النار؟".</p><p>ولو لم يكن الحرق منهي عنه هل سنقبل حرقه؟! لو فرضنا أن داعش قررت بتأصيل شرعي مقنع أن الحرق جائز (والتراث مليء بمثل هذه الأدلة) هل نقبل حرقه؟! ماهذا التشوه في الفطرة والإنسانية والأولويات!</p><p>أضرمت فيه النار وهو حي وجائع ومجموعات من الدواعش المؤمنين يُحيطون به، بعضهم يتفرج والبعض الآخر يصور الحادثة بتقنية "الهاي دفنشن"! أي بشر يُنَظِّرون ويتفلسفون في حالة كهذه؟ ثم أن التنظير هنا غير مقبول البتة، إذا بدأت في التنظير فستصل إلى أن داعش مسلمون مجتهدون (الأزهر متفهم لهم تماماً ومطول باله وصابر عليهم كما يصبر الأب على ابنه الطائش حتى أنه امتنع عن تكفيرهم).</p><p>ستصل أيضاً إلى أن داعش نيتهم سليمة، يريدون حكما إسلاميا، ويحلمون بمساعدة المسلمين المساكين والمضطهدين في فلسطين وبورما وسوريا. هم أولادنا المسلمون المجتهدون، والمجتهد له إما أجر أو أجران.</p><p>داعش مجتهدون، وحرق معاذ هو اجتهاد خاطىء يجازي صاحبه بأجر واحد عوضاً عن أجرين. هل رأيت سماحة ويسر أكثر من ذلك؟!!</p><p>ثم أن الإسلام دين النوايا وإنما الأعمال بالنيات وداعش نيتهم سليمة وهدفهم من الحرق هو إرهاب عدو الله وعدوهم! هل يعجبك هذا الكلام؟!! هل تفتح باب التنظير في جريمة إنسانية بهذه البشاعة! ما هو ترتيب أولوياتك، الدين أولاً أم الإنسانية؟ إذا جعلت تنظيرات التدين فوق الإنسانية فأنك قد تنتهي بأن تكون داعشيا (في حال اتبعت نسخة مشوهة من الدين، أي دين ليس الإسلام فقط)! لو كانت للإنسانية الأولوية عندك فإنها ستعصمك من أن تنزلق لتكون مسخا يبرر إحراق شخص وهو حي.</p><p>مؤكداَ أن البعض سيكره اللحية وينفر منها لأن الدواعش (وكثير من إرهابيي هذا الجزء من العالم) ملتحين، ولكن ليس هذا ما قصدته في التغريدة. ما قصدته هو أن اللحية والحجاب ومزامير الشيطان (الموسيقى) والكعبة وكل مسائل الدين (كبيرها وصغيرها) هي لا شيء أمام حرمة الإنسان. دمه وماله وكرامته وعرضه كلها أكثر حرمة من الدين.</p><p>نقابل في حياتنا من ينتفض وقد ينجلط لو خلعت ابنته الحجاب أو حتى انكشفت ساقها (بالغلط)، ولكنه يتقبل بكل أريحية أن يُنتهك الإنسان! نقابل من يغضب ويزمجر إذا سمع موسيقى ويصعد لأعلى الجهات، ويحتسب هو ومن هم على شاكلته (زَرَافَاتٍ ووُحْدَانَا) لمنعها، ولكنه يتقبل السرقة والفساد وحتى قد يساهم فيها. إلى هؤلاء أقول أحلق اللحية وانزعي الحجاب فليس لهما فائدة فقيمتهما منعدمة تماما أمام انتهاك الإنسان.</p><p>أختم المقال بتعليق جميل وصلني من أحد الأصدقاء على من رد بأن الحرق بالنار حرام: "أكبر مصائب التأصيل الفقهي في مثل هذه القضايا أنه بمجرد الحديث عن الرأي الفقهي والخلاف فيه يتم بلا وعي استئصال الجانب الإنساني في المسألة. فيصبح التأصيل والتحليل رأي فقهي والخلاف وارد ومستساغ. هكذا باسم الإسلام يتم إعدام الإنسانية!"</p><p>رحم الله معاذ الذي حُرق بنار نحن من أضرمها، أنا وأنت أضرمناها من عدة سنوات حينما سكتنا على المد الصحوي واستسلمنا له وسلمنا له أولادنا فأصبحوا اليوم دواعش أقرب للشياطين منهم إلى البشر.</p>