التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:25 ص , بتوقيت القاهرة

إحنا اللي دهنا الهوا دوكو

- عاوزة إيه من إسكندرية يا مُنى ؟
أجيبه في براءة طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها، ذلك طبعا حين كان أطفال العاشرة يتمتعون بالبراءة .


- ممم، عاوزة شوية بحر، ورملة، وحبة هوا في كيس ..


كم أبدو في نظر نفسي اليوم عبقرية، كنت و لا شك أمتلك حاسة استشراف آفاق المستقبل، هذا ما شعرته حين قرأت قبل أسبوعين، أن دولة السويد، تقوم فعلا بتعبئة هوائها في علب معدنية، يشتريها المواطن والسائح، بسعر يوازي الثلاثة وستين جنيها مصريا، آه و اله.


الموضوع ببساطة، أن دولة السويد، أشفقت على مواطنها "الكيوت"، من أن يسافر خارج حدودها ثم يُصاب بالحنين إليها فلا يجد لدائه دواءًَ، فقررت أن تضمن له زاده في علبة معدنية، ما أن يفتحها حتى يشعر بأن النسيم العليل بداخلها قد أخذه إلى حيث بيته، إلى حيث الوطن، ووفرت الدولة الأوروبية فخر منتاجاتها للسياح أيضا، ليكون تذكارا لطيفا، يعودون به إلى ذويهم، كهدية مبتكرة، وهي كذلك فعلا. 


هل يبدو الأمر كوميديا ؟، لا أعرف، و لكنني قررت- بكل حال- ألا يمر عليّ مرور الكرام، و اكتشفت ببحث بسيط، أن السويد لم تنفرد بتعبئة هواءها في علب، و إنما دول آخرى كألمانيا وفرنسا وأمريكا، رحت أتخيل أنا الأخرى، ومن منطلق غيرتي على بلدي، لمَ لا نفعل التجربة ذاتها هنا، في مصر


ممم، لنتخيل !


 بعد عشرة سنوات


(1)
ينجح مشروع تعبئة الهواء المصري نجاحا باهرا، ويتحول إلى ضرورة من ضروريات البيت المصري، لذا، تنصح كاتبة المقال كل شاب مصري ألا يغفل ضرورة وجود علبة الهواء المصري ضمن هدايا موسم رمضان وعيدي الأضحى والفطر، ذلك إن أراد حقاً أن تستمر خطوبته، دون أن "تلسن" عليه طنط ماجدة "اللي ساكنة في الخامس"، و تتهمه بالبخل، يا بخيل ! 


(2)
تتحول عبارة "بيعبي الهوا في أزايز" من دلالة على النصب والفهلوة، إلى جملة تفتح الأبواب المغلقة أمام من تطلق عليه، إذ إنها تشير إلى كونه رجل أعمال، على كبير أوي!، و ذا شأنٍ عالٍ.


(3) 
تزوجها بعد قصة حب كانت حديث الجامعة و الأهل والأصدقاء، واصطحبها لتحيا معه في إحدى دول الخليج، حيث يكفل له عمله سكنا فاخرا وسيارة فارهة وكل ما يحتاج إليه من وسائل الراحة و الترفيه، ولكنه لاحظ توترها و انزوائها مؤخرا، فاصطحبها في نزهة في ليلة مقمرة، فانهارت بكاءً. 


- مش قادرة يا عمر، مش قادرة خلاص، الحياة هنا حلوة، بس أنا تعبت، ماما وحشتني، إخواتي كمان وحشوني، حاسة بغربة رهيبة، أنا مصر وحشتني يا عمر، مصر وحشتني.


يتألم عمر كثيرا، يسرا حبيبة عمره حزينة، و كان يعلم ما بها دون أن ترويه، و لكن عزاءه في أنه كان يعرف كيف سيسري عنها، ناولها علبة صغيرة، سرعان ما لمحت ما كتب عليها "جوا و بشكل حصري، عينة من الهوا المصري"، تسأله، 
- إيه ده يا عمر ؟
 افتحيها بس.


تغرورق عيناها بالدموع، تستنشق بعضا من الهواء من داخل العلبة، إلا أن ابتسامة عمر تتحاول إلى فزع، بينما تسعل يسرا بشدة، بشدة أكثر، حتى يتباطئ تنفسها، يهزها عمر بقوة، ولكن لا حياة لمن اشتم الهواء لتوه.


* وفقاً لتصريحات تلفزيونية في أكتوبر 2014، أشار الدكتور خالد فهمي وزير البيئة، إلى أن معدلات بعض الملوثات في الهواء المصري، تتعدى الحدود الدولية، فماذا بعد 10 سنوات.


** الفاتحة للمرحومة


(4)
بخط عريض، تنشر إحدى الصحف الحكومية في صدر صفحتها الأولى.


بشرى سارة !


التموين: بدء صرف علب الهواء المصري على بطاقات التموين !


(5)
- معانا النهاردة أحدث عروض الشركة الليبية، يا ترى معانا إيه يا محمد 


العرض اللي معانا النهاردة، مهم لكل بيت، ست البيت مالهاش أي غنى عنه، و مش بس ست البيت، لكن لكل مصري.


-شوقتنا يا محمد وأكيد كل المشاهدين عاوزين يعرفوا عرضنا إيه النهاردة.


النهاردة الشركة الليبية بتقدم لعملائها علب الهوا المصري، الاختراع اللي أبهر العالم، و مفاجأتنا النهاردة إننا بنقدمه بسعر متميز جدا هيبهر كل اللي بيتفرجوا علينا.


- عرض رهيب !، لكن إحنا برده عاوزين نطمن مشاهدينا إن علب الهوا اللي بتقدمهولهم في عرض النهاردة، أصلي 100 %.


 الشركة الليبية معروفة وسط عمائلها بإن كل منتجاتها أصلية، لكن خلينا نجرب على الهوا، تحب تجرب معايا ؟


- طبعا، أجرب جدا ..
 خوووووووود 


* الحوار السابق يجري بأكمله على خلفية " آاااه آااااه" لإضفاء طابع ليس له أي تلاتين لازمة.


(6)
بخط يكاد يُرى، و في نفس الصحيفة الحكومية، ولكن في صفحة أخرى، رجل يقتل زوجته وأولاده الستة، بعد اكتشافه أن الأولى تهدي عشيقها نصيبه من علب الهواء


** عودة للواقع
الحق كل الحق، تضحكني جدا لمسة المصريين السحرية، أعترف بأن أي شيء حينما يتمصر يتغير طعمه، أحيانا وللإنصاف، لا تتبدل نكهته للأفضل، ولكنني أستسيغها بل وأحبها في الأغلب، و لاأتحرج في أن أبدي انحيازا لبوستر ألبوم اقتبس مطربي المفضل فكرته من غربي شهير حتى و إن لم يشِر إلى ذلك، أو أن أُعجب بفكرة مسلسل أو فيلم تم تمصيره، "مش أوي يعني"، ولكن هل ينطبق ذلك على تعليب الهواء ؟ 


أتخيل مسؤولا حكوميا سابقا في حُلة أنيقة، يطل بإبتسامة عريضة صفراء عبر فضائية لم يكن يعرف إسمها قبل اللقاء و لن يتذكره بعده، يقسم لنا بأنه لم و لن تخلق علبٌ تستحق شرف إحتواء هواء دولة السبعة آلاف سنة حضارة، وأنا أعلم، و أنت –عزيزي القاريء- وهو أيضا يعرف جيدا، أن ذلك ليس صحيحا، وأن دولة السبعة آلاف سنة حضارة، تستحق منا الكثير، الكثير جدا جدا، لنليق نحن أصلا بهوائها.


نهايته، لا تدع هذا المقال ينسيك، أننا كمصريين، دهنا الهوا دوكو، ورسمنا عليه !