الماسونية بسوريا.. أفكار سرية ودعاوى لـ"الإخاء"
من غير المعروف متى بدأت الماسونية في العالم كفكر، ومن المؤسسون الحقيقيون لهذه الفكرة، إلا أن هذه الأفكار ظهرت بسوريا، في منتصف خمسينيات القرن الماضي.
تُعرّف دائرة المعارف البريطانية الماسونية بأنها "أكبر جمعية سرية في العالم"، نشأت من النقابات التي ألفها البناؤون، عندما تولوا بناء القلاع والكاتدرائيات، ثم بدأت بعض محافل البنائين العاملين في قبول أعضاء فخريين، لتقوية الإقبال عليها، إثر التدهور في عدد أعضائها بسبب توقف عمليات البناء.
نشأة الماسونية
تزعم معلومات تاريخية أن نشأة الماسونية كانت مع مرحلة بناء هيكل سليمان، وأنه تم تقسيم البنائين لـ3 فئات، الأساتذة المتمرنين وأبناء المهنة، الذين أرادوا تعلم أسرار الأساتذة، حيث قام 3 منهم بعمل كمين لأحد الأساتذة وكان يسمى "حيرام أبي"، وهددوه بالقتل إذا لم يخبرهم بسر البناء، فقتلوه بعد رفضه البوح بالسر، وبعد إتمام الهيكل، تفرق "البناؤون" إلى أوروبا حيث أنشأوا جمعية الصناع الرومانية، التي نقلت نظمها ورسومها فيما بعد إلى جمعيات الصناع بإنجلترا وفرنسا وألمانيا في العصور الوسطى.
المرحلة الثانية من نشأة الماسونية في العالم، أرجعها باحثون أمثال أحمد فؤاد عباس في كتابه الماسونية، إلى عام 1600 في اسكتلندا، وأنها كانت حركة مقتصرة على الطبقات العليا في المجتمع، وأنه في 1717 تقرر توحيد المحافل التي كان عددها قد وصل إلى 4 محافل في لندن، ضمن محفل واحد سمي "المحفل الأعظم" ولا يزال موجوداً حتى اليوم، "ينشر فكره في مجلة دورية ولدت معه.
وفي سنة 1723، ظهر أول كتاب في الماسونية باسم "القوانين"، ألفه القس "جيمس أندرسون"، جاء فيه: "إن الماسوني كان يلقن ألا يكون كافرا عبثا، وألا يكون مفكرا حرا غير متدين، وأن يحترم السلطات المدنية، وألا يشترك في الحركات السياسة!".
الماسونية بسوريا
في سوريا، بدأت قصة الماسونية ـ كما يرويها القاضي حنا مالك في مذكراته، وهو أحد رؤساء المحافل الماسونية في سوريا ـ من خلال محفل النور العظيم التابع للمحفل الأسكتلندي، الذي تأسس في العام 1835 في دمشق بمحلة مئذنة الشحم، وكانت سوريا عندها خاضعة للدولة العثمانية، وكان المحفل عبارة عن منبر حر لكل الوطنيين السوريين، الذين أرادوا أن يدافعوا عن بلدهم ضد الوجود العثماني على أرضهم، ما عرض هذا المحفل للإغلاق في بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914، التي كانت بداية لنهاية الوجود العثماني في سوريا.
عاد المحفل للعمل وبشكل فاعل خلال الاحتلال الفرنسي لسوريا، عام 1920، فتأسست المحافل بمختلف المحافظات السورية، كان أشهرها المحفل السوري، الذي تأسس عام 1922، تحت رعاية الشرق الأعظم الفرنسي، وقد انتسب لهذا المحفل غالبية الرجال الوطنيين السوريين منهم سعيد الغزي والدكتور حسني سبح، ولعب دورا كبيرا في تأسيس وإنشاء مشفى المواساة بدمشق التي أشرف على تأسيسها الدكتور حسني سبح.
محافل شهيرة
وأيضا من المحافل الشهيرة محفل قاسيون، الذي تأسس في العام 1920، ويعتبر أقدم المحافل السورية.. وتوالى على رئاسته كل من رضا مردم بك، رضا سعيد عبد الرحمن الإمام، زكي سكر. أسس المحفل أول مشفى للمصابين بداء السل بحي الأكراد بدمشق.
وكان للماسونية في سوريا عدد من المجلات والصحف ذات النشرات الدورية، ومنها مجلة "التحرر"، التي صدرت بعناية الشرق الأعظم الفرنسي، وكانت مجلة دورية شهرية ذات مواضيع متعددة، وقد ركزت على الشأن الوطني والاجتماعي والتحرر من الاستعمار الفرنسي.
نشرت المجلة في عددها الصادر بتاريخ 15 آذار 1939، أن الماسونيين يسعون إلى تحرير البلاد من كل استعمار، وأن البرلمان السوري إذا كان ناديا سياسيا فإن المحافل الماسونية هي منابر سياسية واجتماعية، تناضل من أجل استقلال البلاد وتحررها، كما نشر العدد الصادر بتاريخ 20 شباط 1939 من المجلة نفسها، آلية انتخاب المحافل الماسونية في سوريا، وهدفها الذي أسست من أجله هناك، والأعمال الخيرية التي تنوي القيام بها لخدمة المجتمع السوري وأبنائه الفقراء.
أغلق المفوض السامي الفرنسي الجنرال دنتز، مكاتب المجلة في العام 1940، واستمرإغلاق مكاتبها حتى عام 1946 تاريخ استقلال سوريا عن فرنسا، حيث تمت العودة الفاعلة والناشطة للماسونية ومحافلها في سوريا، حتى عهد الوحدة مع مصر عام 1958 حيث أغلقت بقرار من القيادة المصرية برئاسة جمال عبدالناصر.