قريش وجمال وأيمن (2)
لو عملنا استعراض للحلول اللي قدمها النحاة والمفسرين، بحيث تفضل سورة "قريش" مستقلة ومش محتاجة تتصل بـ كلام قبلها، هـ نحتاج كتاب بـ حاله. وكلها بـ تدور في اتجاهين: تقدير كلام محذوف، أو إعادة ترتيب الكلام.
اللغة العربية، في نسخها القديمة، لغة تحليلية، مرنة، مليانة ظواهر بلاغية تديك فرصة أكبر في التنوع، وإنك تعبر عن المعنى الواحد بـ عشرميت طريقة. ده بـ يخلي فرصة النحوي عظيمة في إنك ما تغلطوش، يقدر يطلّع أي حاجة صح لو عايز، ويطلّع نفس الحاجة غلط لو عايز، فالقصة خاصة بقدراتك في النحو مش بالنص اللي بين إيدينا.
ناخد نموذج صغير، ومعلش استحملني، ولو بـ يضايقك النحو تقدر تعدي الفقرة دي: الزمخشري في "الكشاف" رأيه إن السورة فيها تقديم وتأخير، وشبه الجملة: "لإيلاف قريش ....."، متعلق بـ جملة: "فليعبدوا رب هذا البيت ...."، وبناء عليه؛ الترتيب الأصلي: فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف.
تفسير الزمخشري ما ينفعش، لأسباب كتيرة، أهمها إن الفاء في "فليعبدوا" تمنع ده، والزمخشري طبعا عارف كده كويس، بس عادي يعني، واحنا هـ نغلب؟ الفاء هنا جواب شرط، آه صحيح الجملة ما فيهاش أي نوع شرط، بس ممكن نقدر محذوف: "وإما لا" قبل "فليعبدوا". وهكذا.
النحوي لو قلت له كلمة، هـ يطلع لك بـ عشرة، وأبيات الشعر اللي بـ تثبت إن ده ممكن، وده ينفع، مفيش أكتر منها، ولو مفيش، نألف.
إجمالا، فيه عشرات الحلول، اللي قدمها النحاة والمفسرين على مر التاريخ، بس فعلا، مفيش حل منهم مقنع ولو ربع التفسير اللي شايف إن سورة "قريش" متصلة بالسورة اللي قبلها، اللي هي سورة "الفيل"، أو بمعنى أصح هي سورة واتقسمت اتنين.
طب وإيه المشكلة في إنهم يكونوا سورة واحدة وانفصلت؟
المشكلة إن عموم المسلمين مكبّرين الموضوع، وفيه تكتيم وتحرّج من مناقشة الاختلافات بين القراءات والمصاحف، مع إن مناقشة الاختلافات دي كانت من الأمور العادية في التراث الإسلامي نفسه. وفـ موضوعنا اللي بـ نتكلم عنه فكرة إن السورتين متصلتين موجودة بـ كثافة، الفراء على سبيل المثال من اللغويين اللي قالوا كده بوضوح.
والفراء ليه؟ ما فيه رواية مشهورة عن عمرو بن ميمون إن صلى المغرب ورا عمر بن الخطاب اللي قرا الركعة التانية بالسورتين متصلتين. وهو أصلا مين قال إن ترتيب السور وعددها وتسميتها أمر إلهي ومحسوم في التراث الإسلامي؟
الواحد بـ صراحة بـ يستغرب من الناس اللي بـ تدي اهتمام لفكرة إن سورتين ممكن يكون سورة واحدة انفصلت لأي سبب، وبـ يفوتوا عادي إن فيه قراءات، النص نفسه بـ يتغير، فـ تبقى فيه قراءة بـ كلمة، وقراءة تانية بـ كلمة تانية خالص، أو خلاف حوالين نسبة سورة للقرآن من عدمها، أو الخلاف حوالين كلام زيادة، أو نصوص كلتها العنزة، وكلها حاجات مش جديدة، والكلام فيها ممتد عبر 14 قرن وأكتر.
ومفيش للكلام ده أي تأثير على العقيدة، إيجابا أو سلبا، علوم القرآن عالم واسع، وممكن حضرتك لو مؤمن تصدق مثلا إن فيه تنزيلين لـ نفس الآية، وإن فيه آيات نسخت تلاوتها، وإن معظم الروايات دي ضعيفة، وهكذا، ولو مش مؤمن هـ تصدق العكس. مفيش حد بـ يؤمن أو بـ يلحد لأسباب زي دي، الإيمان وعدمه قضية أكبر من كده بـ كتير.
المهم بالنسبة لي المقالين اللي كتبوهم الأستاذ جمال والأستاذ أيمن، لأنهم بـ يلخصوا المعركة بـ حذافيرها، والتكنيكات اللي بـ يتبعها كل طرف، وكأن الموضوع مالوش نهاية، الأسامي بس هي اللي بـ تتغير، فـ ده بقى المقال اللي جي.