لماذا فشلت الكمائن الثابتة في سيناء؟
إعصار الدماء الجديد الذي ضرب مواقع الجيش والشرطة بشمال سيناء الخميس الماضي، خلف أكثر من 40 قتيلا، حسب الإحصائيات الرسمية.. وأعادت الهجمات التي تعد الأقوي منذ ظهور الجماعات الإرهابية، إلى الرأي العام دعاوى تقييم الاستراتيجية الأمنية المطبقة، التي تعتمد بالأساس على نشر الكمائن الثابتة، والتي هوجمت بصفة دورية خلال السنوات الأخيرة.. "دوت مصر" يحاول التعرف على بعض جوانب القصور في المنظومة المطبقة هناك.
ثورة يناير.. الجيش يتمركز بكمائن الشرطة
شهدت جمعة الغضب الشهيرة خلال أحداث ثورة 25 يناير، انسحاب قوات الشرطة بالكامل من الكمائن المنتشرة بأنحاء الشيخ زويد ورفح بشمال سيناء إلى مدينة العريش، إثر تعرضها لهجمات بالقذائف والأسلحة الرشاشة، من قبل أطراف مجهولة تحمل السلاح، لتتمركز قوات الجيش بالكمائن ذاتها، وتفرض مراقبة على الطرق، دون الدخول في مواجهات مباشرة مع المسلحين، واستمر ذلك الوضع حتى ارتكاب إرهابيين مذبحة قتل 16 جنديا بمنطقة الحرية، جنوبي رفح.
عقب وقوع المذبحة، اتخذت القوات وسائل الحيطة والحذر، خشية تكرار الهجمات، ورغم الظهور العلني لأفراد تنظيم "أنصار بيت المقدس" بسيارات الدفع الرباعي والأعلام السوداء، لم تحدث مواجهات مباشرة بين الطرفين، لعدم وجود قرار سياسي بالمواجهة الشاملة مع التنظيم. وفي يوليو 2012، هاجمت مجموعات مسلحة ترفع الرايات السوداء، قسم شرطة ثان العريش، لتقتل 5 من أفراد القسم، بينهم ضابطين.
بعزل الدكتور محمد مرسي عن الحكم في 3 يوليو 2013، بدأت أعنف موجة إرهابية تشهدها شمال سيناء في تاريخها، باستهداف جميع كمائن الشيخ زويد ورفح وحول العريش بالقذائف والأسلحة الثقيلة والعربات المفخخة، حتى اتخذت القيادة السياسية والأمنية قرارها بإرسال التعزيزات الملائمة لحفظ الأمن، وملاحقة عناصر الإرهاب في 13 أغسطس من العام الماضي.
الكمائن الثابتة.. الإرهاب يحصد الأرواح
تسببت الاستراتيجية الأمنية الخاطئة في تعرض كمائن سيناء لعشرات الهجمات، أبرزها "الريسة"، الذي تعرض على مدار الثلاث سنوات الماضية لقرابة 44 هجوما، أكثرها من حيث عدد الضحايا، تفجير سيارة مفخخة يقودها انتحاري العام الماضي، ليوقع 5 قتلى من قوات الجيش والشرطة.
تكرار الهجوم دفع الجهات الأمنية لتغيير التخطيط الهندسي للحاجز، بتوسيع السواتر المعدنية، وإبعاد مركز التفتيش عن عمق الكمين، ما وفر للحاجز جانبا أمنيا يصعب اختراقه، وتخصيص عناصر مراقبة أمنية أعلى أسطح العمارات السكنية المحاذية للكمين.
كمين "الخروبة" الواقع على مسافة 15 كيلو متر شرق العريش، والحاجز الأقرب لكمين "كرم القواديس"، الذي وقع الهجوم الإرهابي قبل الأخير عليه، تعرض عشرات المرات للرشق بالرصاص من العناصر الإرهابية، بواسطة المركبات المتحركة والتصويب عن بُعد، ما دفع قوات الأمن لعدم السماح للمدنيين بالاقتراب، وتخصيص مدرعتين على الجهة الثانية من الطريق الدولي المقابل للكمين، وتفتيش السيارات عن بُعد، لتفادي وصول سيارات مفخخة لعمق الكمين.
"حرس الحدود"، الكمين المتواجد بقرية الشلاق على الطريق الدولي، تم تحصينه بالسواتر الصخرية والدُشم، بعد تعرضه لهجوم إرهابي رمضان عام 2013، أسفر عن قتل 5 من قواته برصاص تكفيريين، قبل دقائق من حلول موعد الإفطار. وعلى مسافة غير بعيدة من الكمين، يقع حاجز "الشيخ زويد"، المغلق تماما أمام السيارات والمدنيين، ولا يسمح سوى بعبور المعدات العسكرية، لكن رغم ذلك، تعرض الحاجز لإطلاق نار من مسافات بعيدة.
كمين "أبوطويلة"، المتواجد على الطريق الدولي، أُغلق أمام السيارات المدنية لكثرة تعرضه للهجوم بالأسلحة الثقيلة وقذائف الآر بي جي، كما تم توسيع دائرة منع الاقتراب منه. الأمر ذاته مماثل في حاجز "الماسورة"، الذي يقع في مدخل رفح، والذي أغلقت المحال التجارية حوله تماما، ومنع عبور السيارات، لتفشل العناصر الإرهابية، منذ تلك الإجراءات، في اختراقه.
حاجز "ولي لافي" أحدث حواجز الجيش بشمال سيناء، يقع عند مدخل مدينة رفح الغربية، وتم إنشاؤه في موقع مذبحة "رفح الثانية"، وهو الموقع الذي شهد أيضا استهداف مدرعات للجيش والشرطة بعبوات ناسفة، وتم اتخاذ تحصينات كبيرة للحاجز وإخلاء عمارة سكنية قربه، لوضع أفراد مراقبة أعلى سطحها.
نقاط ضعف الكمائن بشمال سيناء.. والحلول
التخطيط الهندسي الكارثي لكمائن سيناء، لم يتم تداركه سوى بعد عشرات الهجمات، عدا حاجز "كرم القواديس"، الذي تبين من تصميمه عدم خضوعه لإجراءات تأمين ومراقبة جيدة، لوقوعه في مكان منخفض، لا يسمح بمراقبة جيدة من المسافات البعيدة، وحوله كثبان رمليه مرتفعة، سهلت للإرهابيين مراقبته واستهدافه.
وجود المدرعات في مفترق طرق متقارب الاتجاهات بكمين "كرم القوايدس"، سمح بتفجير سيارة مفخخة وسط الحاجز، ما حسم قدرة الجنود على المقاومة، بوقوع غالبيتهم ما بين قتيل ومصاب. كما أن حالة الصدمة، سمحت باقتراب باقي العناصر التكفيرية والإجهاز على الجنود الأحياء والمصابين، صاحبه تأخر وصول الإمداد والدعم لأفراد الكمين بالطائرات، سمح للإرهابيين بالفرار، بعد الاستيلاء على الأسلحة والذخيرة.
وفي السياق ذاته، قال مصدر عسكري بمدينة العريش، إن جميع كمائن شمال سيناء تخضع حاليا لإجراءات مراجعة تصميمها، لمنع وصول السيارات المفخخة لعمقها، وتخصيص دوريات متحركة لاعتراض الأفراد والمركبات على مسافات بعيدة من ارتكاز القوات.
وأوصت مصادر عسكرية بتزويد الكمائن بسيارات دفع رباعي، كالتي يستخدمها الإرهابيون، لملاحقتهم فور رصدهم، لعجز المجنزرات الثقيلة أمام السيارات فائقة السرعة.
خبراء: "الكمائن" تحولت لأهداف للإرهابيين
قال اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، إن الاستراتيجية الأمنية المطبقة في سيناء تتحمل جزءا من ضحايا العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، خاصة الثغرات الأمنية المتمثلة في الأنفاق والكمائن الثابتة، موضحا أن أرض العمليات هي فقط 40 كم، وبها العديد من "الكمائن الثابتة"على الطرق الرئيسية، أثبتت فشلها تماما، لأنها لا تمنع العمليات، وإنما تحولت لأهداف ثابتة، يتم قنص جنودها.
وأشار علام إلى أن طبيعة سيناء الجغرافية، تتطلب أبراج إسمنتية للمراقبة ودوريات متحركة تعتمد على معلومات استخبارتية دقيقة، وأن تحول الكمائن الثابتة لصيد للإرهابيين، خلق حالة من السخط لدى الأهالي، الذين أصبحوا مضطرين لسلك الدروب الجنوبية البعيدة عن الكمائن، مما جعلهم تحت رحمة الارهابيين المتمركزين بتلك الدروب، إضافة إلى أن المسافة بين الشيخ زويد والعريش، أصبحت تأخذ أكثر من 4 ساعات، رغم أنها في العادي لا تستغرق سوى نصف ساعة، بسبب الكمائن.
الخبير الأمني ومساعد وزير الداخلية الأسبق، اللواء محمد نورالدين قال لـ"دوت مصر"، إن الأستراتيجية الأمنية لقوات الجيش والشرطة في سيناء، تغيرت بالفعل بعد ثبوت فشلها أمام الهجمات الخاطفة للارهابيين، نظرا للطبيعة الجبلية الوعرة لأراضي سيناء،.
وأوضح أنه لا عيب في مراجعة أخطاء الماضي وتصحيحها، لتتناسب مع الوضع الراهن، في ظل التطور النوعي للعمليات الإرهابية.
وذكر الخبير الأمني أن القوات المشتركة في سيناء قلصت الكمائن الثابتة لحساب الدوريات المتحركة، التي يرافقها خبراء مفرقعات لتمشيط المناطق قبل عبور القوات والمعدات، مضيفا أن تعيين اللواء أحمد جمال الدين، مستشارا لرئيس الجمهورية لمكافحة الإرهاب، يأتي بسبب أخطاء وقعت مؤخرا، بسبب اعتماد استراتيجية أمنية لم تستوعب حقيقة الوضع في سيناء.
وأردف: "البديهيات التي يلقنها خبراء الأمن لطلاب الشرطة، تشترط وجود نقطة عدم ارتداد قبل الكمين بـ100 متر، لإحكام القبضة على المهاجمين، ونقطة عدم خروج عقب الكمين بذات المسافة، ووضع جميع الأفراد في حالة استعداد بالذخيرة الحية طوال الوقت، وللأسف تلك التصميمات لا تتوافر في معظم كمائن سيناء".