التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 10:29 م , بتوقيت القاهرة

حين تصف الجارديان أنصار الاستبداد بأنصار الديمقراطية

المشاركون في مظاهرة اتخذوا قرارا بالمشاركة فيها، وتحمل مسؤولية أعمالهم. ما رأيكم في هذا:
        
في هذا الفيديو عدة ملاحظات:
أولا: عدد المتظاهرين قليل، ما يرجح أنهم يستطيعون بسهولة سماع أصوات السلاح المستخدم بين صفوفهم، ورؤية الشخص الذي يستخدمه.


ثانيا: يتأكد هذا حين نرى الألفة التي يتعامل بها القريبون من حامل البندقية معه. لا يبدو على أي منهم المفاجأة. ما يرجح أن هذا سلوك معتاد ومتكرر، ولا يدعو للدهشة.


ثالثا: وقت إطلاق النار من قبل هذا الملثم، ظل شخص على الأقل في المساحة التي بينه وبين الشرطة، آمنا، يكاد يتسكع. هذا معناه، على الأغلب، أن الشرطة لم تكن واضحة في الصورة، فلم يكن في مرمى نيران، ولا يخشى من الإصابة. فعلى من يطلق صاحبه الملثم الخرطوش إذن؟


رابعا: الملثم نفسه ظهر في الصورة متأخرا، وبعد أن هرب معظم الناس إلى الخلف. هذا يعني أن الملثم كان في الصفوف المتقدمة، الصفوف الأقرب إلى الشرطة.


خامسا: النقطتان السابقتان تعنيان أن الملثم ليس شخصا يتصرف بمفرده، بل إنه مكلف من قبل التنظيم بمهمة محددة، منظمة. منها أن يدفع الشرطة إلى استخدام أسلحة نارية، ثم "يؤمن" ظهر المسيرات المنسحبة. المهم، ليس هذا تصرفا فرديا، هذا تصرف منظم. قرار متخذ من التنظيم بتحويل المظاهرات إلى اشتباكات. بكل ما يستتبعه هذا من سقوط ضحايا، ومن مظلومية. ومن عناوين كالتي استخدمتها جريدة الجارديان البريطانية عن سقوط قتلى "بين المتظاهرين المناصرين للديمقراطية". وكأن حمل البندقية في مظاهرة لا يعني شيئا بالنسبة لمدى "ديمقراطيتها".


لماذا يضحي الإخوان بمتظاهريهم، ويزرعون شخصا وظيفته زيادة احتمال استخدام الشرطة للرصاص؟ ولماذا يرضى الإخوان المشاركون في المظاهرة بالمخاطرة بحياتهم وهم يرون انطلاق أسلحة نارية من وسطهم؟


الإجابة: لأن سقوط قتلى، وتفجير الوضع، صار قرارا استراتيجيا.
لأن تحويل مصر كلها إلى بؤرة قلق، صار قرارا استراتيجيا.


كيف نستطيع أن نتصرف إزاء هذا؟ 


في مقابل إصرار الإخوان على جعل تفجير الوضع السياسي قرارا استراتيجيا، على القوى السياسية المدنية أن تجعل بعدها عن الإخوان قرارا استراتيجيا أيضا. لأن تداخل الرسالة السياسية للقوى المدنية مع رسالة الإخوان صار مضرا على كل المستويات. مضرا في أثره الشعبي. ومضرا في انعكاسه على سلامة الأفراد. الإخوان الذين يخاطرون بأرواح أبنائهم باستخدام أسلحة نارية في المظاهرات، لن يتورعوا عن المخاطرة بأرواح الآخرين. لا أقصد بهذا أي محاولة للإيحاء بأن جهة ما تقف خلف مقتل شيماء الصباغ، التي كانت متظاهرة سلمية. هذه متروكة لتحقيقات النيابة. لكن أقصد أنهم سيسعون بكل جهدهم إلى الدفع بالوضع السياسي إلى حافة الهاوية. وهذا التوتر سينتج مزيدا من الضحايا.


والشرطة - رغم صعوبة المهمة - مطالبة بالانتباه وإلى بذل مجهود، كأي قطاع آخر، لتحديث نفسها وتطوير وسائلها. بعض أدلة البحث الجنائي صارت متوافرة جدا. كل تليفون محمول صار كاميرا، وصار شاهدا. نظرة واحدة إلى فيديو متظاهر المعادي الذي يطلق الرصاص على الشرطة توضح كم خيطا للتحقيق (وجوه المحيطين بمطلق الخرطوش واضحة) يوفر مثل هذا الكليب الصغير. اختراق المظاهرات بأناس يحملون أجهزة تصوير سرية أفيد من استخدام القوة لغير حالات الضرورة. مجرد مثال.


كما أن هذا مفيد إعلاميا. لأن فيديو واحدا كهذا أبلغ من ألف رسالة عن تطرف الإخوان، وأبلغ من ألف مقال يريد أن يدفع عنهم تهمة التطرف.


هذا المجتمع أُرهق طوال أربع سنوات، ومرهق منذ قرون، لكنه لا يملك رفاهية فقدان التركيز. المفرق السياسي الذي تمر به مصر هو الأخطر في عصرها الحديث. أخطر من النكسة. رد الفعل على النكسة كان صعبا لكنه كان واضحا. المشكلة الآن أن المجال مفتوح لأن تختلط الحجج، ويرتدي الأذى ثوب النفع، ويرتدي الاستبداد القاتم ثوب "الديمقراطية". وأين؟ على صفحات الجارديان البريطانية.