اقرا كلمة السيسى فى دافوس كاملة
ننشر كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى القاها فى منتدى دافوس الاقتصادى بسويسرا صباح الخميس حيث قال فيها نصا :
بروفيسور كلاوس شواب،
أود فى البداية أن أعرب عن شكرى للبروفيسور شواب لما تُمَثـله دعوته للحديث إليكم من تقدير لمصر وللمصريين. فلكم أعتز بالانتماء إلى بلد ساهم عبر التاريخ فى بناء الحضارة الإنسانية، ولايزال يواصل العطاء للبشرية بفضل ما منحه الخالق من هبات، فى مقدمتها شعب مصر الذى لا تزيده المصاعب إلا عزماً وتصميماً على اجتيازها، ولا تمنعه التحديات الجسيمة عن خوض غمارها، والخروج منها مُكللاً بالنصر ومتواضعاً فى فخر.
إن الصعاب والتحديات التى أشير إليها ليست مجازية أو من قبيل المبالغة، لكنها حاضرة وضاغطة على كاهل الشعب المصرى الذى يواجهها بكل شجاعة. بل أزيد أنها لم ولن تمنعه يوماً من أن يطمح فى ذات الوقت إلى مستقبل أفضل، لذاته ولأمته العربية وللعالم ككل.
فالتاريخ القريب يشهد على قدرة وحكمة ووعى شعب مصر الذى أزال حكم الفرد عندما تجاوز الشرعية، ولم يتردد فى نزع الشرعية ذاتها عمن أرادوا أن يستأثروا بها وأن يسخروها لتطويع الهوية المصرية، وللانحراف بها عن سماتها التاريخية من تنوع وإبداع وانفتاح على العالم.
ولابد لى هنا من الإشارة إلى ضرورة التعويل على وعى الشعوب والإنصات لصوتها. فتلك الملايين التى فاجأت العالم فى ميادين فرنسا بالأمس القريب إنما هى امتدادٌ للملايين التى فاضت بها ساحات مصر منذ عام ونصف تقريباً. إن المعركة واحدة ونفس الإرهاب يحاربنا لفرض رؤيته، لأنه يرى فينا جميعاً نقيضه دون تفرقة على أساس العرق أو الديانة. فالدماء التى يريقها الإرهابيون فى مصر والعراق وسوريا وليبيا وفى نيجيريا ومالى وكندا وفرنسا ولبنان لها كلها نفس اللون.
ومن ثم، فلابد أن تتضافر جهودنا جميعاً للقضاء على تلك الآفة أينما وجدت، من خلال التعامل الشامل مع كافة مكوناتها ولو اختلفت مسمياتها، وأن نتصدى لها بالتعامل الواعى مع الاعتبارات السياسية التى أفردت لها مساحة للنفاذ إلى مجتمعاتنا بالإضافة إلى تعاوننا فكرياً وثقافياً وأمنياً، فضلاً عن تكثيف تبادل المعلومات بيننا، وحرمان المنظمات الإرهابية من استغلال أدوات التواصل الاجتماعى وشبكة المعلومات لنشر دعوات الكراهية ولاستقطاب البعض بدعاوى دينية مغلوطة تستغل حسن النوايا وبعض العناصر المحبطة.
وإذ أؤكد، وبكل حسم، على أنه لا ينبغى أن يؤخذ الإسلام السمح بقيمه السامية وأكثر من مليار مسلم بحفنة من المجرمين القتلة، فإنه يتعين علينا أيضاً كمسلمين أن نُصلح من أنفسنا، وأن نُراجع ذاتنا، لكى لا نسمح لقلة بتشويه تاريخنا وبالإساءة إلى حاضرنا وتهديد مستقبلنا بناءً على فهمٍ خاطئ وانطلاقاً من تفسيرٍ قاصر. كما أن علينا كعالم متحضر، وبنفس قدر تطابق رؤية شعوبنا لمصلحتها فى القضاء على ما يمثله الإرهاب من تهديد، أن نتحلى بالاحترام والتقدير المتبادل لتنوع معتقداتنا ومقدساتنا، وأن نترفع عن الانزلاق نحو التشاحن والإيذاء الذى يستغله المغرضون للترويج لأهدافهم الشريرة وللإيحاء بوجود فجوة وصراع حتمى فيما بيننا.
لا تقتصر المصاعب والتحديات التى نواجهها فى مصر على الإرهاب، ولن تثنينا معركتنا معه عن تحقيق طموحاتنا الأساسية التى ثار من أجلها المصريون. فبناء مؤسسات الدولة المدنية الحديثة سوف يستمر. وبعد إنجاز الدستور وإقراره ثم إجراء الانتخابات الرئاسية، سيستكمل الشعب المصرى مراحل خريطة المستقبل باختيار ممثليه فى مجلس النواب، والذى نتطلع جميعاً إلى دوره المنتظر فى وضع تشريعات وقوانين تترجم العقد الاجتماعى الذى تضمنه الدستور، بما يضمن حصول الأفراد على حقوقهم وأدائهم لواجباتهم، ويوازن بين احترام حرياتهم وبين المسئولية التى يتحملونها فى ظل سيادة القانون وتساوى الجميع أمامه بغض النظر عن الجنس أو العقيدة. كما نتطلع أيضاً إلى ممارسة نواب الشعب المصرى لدورهم فى الرقابة والتشريع على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية، التى يُعبر تباين الأفكار فيما بينها عن التنافس من أجل الوطن وليس الاختلاف على الوطن.
كما يتواكب مع كل ذلك عمل جاد ومتواصل لاستيفاء متطلبات ثورتى مصر، في إطار رؤية تنموية شاملة للتحديث الاقتصادى والاجتماعى تهدف إلى الانطلاق نحو آفاق رحبة، تؤمن حصول المصريين على حقوقهم فى العمل وفى الحياة الكريمة، من خلال استغلال الإمكانيات الهائلة للإقتصاد المصري بثرواته المتعددة، وعلى رأسها الثروة البشرية وطاقات شبابه الذين يمثلون ما يقرب من ثلثي عدد السكان. ويتطلب تنفيذ تلك الرؤية دعم دور القطاع الخاص وتشجيع وجذب الاستثمار وتذليل العقبات حتى ينهض القطاع الخاص بدوره كقاطرة للتنمية في سياق من المسئولية الاجتماعية، مع قيام الدولة ومؤسساتها، بضبط المناخ وتهيئته للتنمية الشاملة والمستدامة، وأداء مهامها التنظيمية والرقابية على مستوى السياسات والتشريعات، مع تعزيز فرص المشاركة بين القطاعين العام والخاص فى المشروعات التنموية، وضمان الحماية للفئات الأكثر احتياجاً.
لقد انطلقت جهودنا لتحقيق تلك الرؤية من تعزيز الثقة في الأداء الاقتصادي المصري وفي قدرة الحكومة والتزامها بتطبيق سياسات وبرامج تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، واستمرارها في التصدي للمشاكل الهيكلية التي طالما عانى منها الاقتصاد، وهى الجهود التى ترتكز على المحاور الرئيسية الآتية:
الأول: تحقيق سياسة مالية ونقدية رشيدة من خلال خفض عبء عجز الموازنة العامة واتخاذ خطوات جريئة لخفض الدعم المقدم لقطاع الطاقة تدريجياً لحماية محدودى الدخل والفئات الأكثر احتياجاً، وتحسين أداء النظام الضريبي، وخفض نسبة عجز الموازنة والدين العام إلى إجمالي الناتج المحلى. وبالتوازي مع ذلك، يتم إتباع سياسة نقدية تلتزم بتخفيض معدلات التضخم.
الثاني: معالجة كافة العقبات التي طالما أعاقت استثمارات القطاع الخاص، وتسوية النزاعات القائمة بين الدولة والمستثمرين المحليين والأجانب، فضلاً عن طرح قوانين تضمن فرصاً متكافئة لجميع المستثمرين وتُعزز الشفافية والعدالة وتطبيق القانون لاسيما فيما يتعلق بالمنافسة والتمويل الصغير، وإعداد قانون الاستثمار الموحد وتبسيط الإجراءات من خلال تطبيق نظام الشباك الواحد، وهى عملية مستمرة تهدف لإرساء بيئة استثمارية جاذبة ومتميزة تسهم فى التنمية الشاملة للارتقاء بمعدل النمو إلى 7? وخفض معدل البطالة إلى 10? بحلول عام 2020.
الثالث: التعامل مع الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية الناتجة عن سياسات الإصلاح الاقتصادى من خلال العمل على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والعدالة الاجتماعية. ولتحقيق ذلك، نسعى لتوفير مزيد من فرص العمل، باعتبارها حقاً لا ينبغى التغاضى عنه، من خلال التوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة مع توجيه اهتمام خاص للشباب والمرأة؛ وزيادة المخصصات المالية لقطاعي الصحة والتعليم والبحث العلمي لتصل إلى 10? من الناتج المحلي.
الرابع: تحسين وتطوير البنية الأساسية في قطاعات النقل والمواصلات من خلال توفير المزيد من المخصصات للاستثمار في هذه المجالات، على أن يتم تمويل شق منها عن طريق الموازنة العامة للدولة، وشق آخر من خلال التعاون مع شركاء التنمية وحث الصناديق السيادية على الاستثمار فيها، بالإضافة إلى تطوير آليات المشاركة بين القطاعين العام والخاص لتخفيف عبء تمويل مشروعات البنية الأساسية وتحقيق المشاركة المجتمعية في بناء مصر المستقبل.
الخامس: تحقيق الإصلاح المؤسسى من خلال تعديل القوانين المنظمة للعلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص، وقوانين مكافحة الفساد، وإعادة هيكلة نظام المعاشات.
على المستوى العملى، لابد من التطرق إلى المشروعات القومية الطموحة التي توفر فرصاً واعدة للمستثمرين ومن أمثلتها مشروع تطوير وازدواج المجرى الملاحي لقناة السويس ولاسيما مرحلته الثانية التي تقوم على تطوير محور القناة وفتح باب الاستثمارات للخدمات اللوجستية والصناعية على جانبي القناة والتي تنطوي على إمكانات عديدة للقطاع الخاص للاستثمار، استفادة من موقع مصر الإستراتيجي كنقطة ارتكاز بين إفريقيا وأوروبا وآسيا.
فضلاً عن ذلك، فقد بدأت المرحلة الأولى من مشروع استصلاح نحو مليون فدان وتجهيزها للزراعة، وصدر قانون الثروة المعدنية الذي بث روحاً جديدة في قطاع التعدين، عزز منه التقدم الملموس في سداد متأخرات الشركاء الأجانب وصاحب ذلك كله تعديل أسعار الوقود مما يحفز عمليات البحث والتنقيب عن الغاز والبترول، الأمر الذي بدا جلياً في إعلان شركات كبرى عن خطط تهدف إلى الاستثمار بقطاع الغاز والنفط رغم الهبوط الحاد الذي تشهده أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ولا يخفى عليكم أن التنوع الذى يميز الاقتصاد المصري يضمن التفاعل المثمر مع تطلعات كافة المستثمرين على مستوى المشروعات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة على السواء وفى مختلف القطاعات كالزراعة والصناعة والخدمات. ومن هنا، يسعدني أن أوجه الدعوة إلى كافة الشركاء الباحثين عن فرص جدية للاستثمار للمشاركة في مؤتمر "دعم وتنمية الاقتصاد المصرى: مصر المستقبل" في الفترة من 13-15 مارس القادم بشرم الشيخ، وذلك للتعرف على المشروعات المتاحة والمزايا التي توفرها بيئة الاستثمار في مصر، فضلاً عن فرص التعاون للاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا لتحديث قطاعات مثل الغزل والمنسوجات والصناعات الهندسية والإنشاءات ومواد البناء.
تؤكد مصر على حرصها على الانفتاح على العالم، والمساهمة في إيجاد حلول للتحديات المشتركة التي تواجهنا جميعاً، كما تحرص على تنفيذ التزاماتها التعاقدية والاتفاقيات التي انضمت إليها، والاستمرار في التعاون المثمر وتوسيع قاعدة علاقاتها الاقتصادية مع كافة الشركاء الدوليين. إن هذا الحرص ينبع من إدراك حقيقى بأنه لا يمكن لأي طرف أن يحقق أهدافه الوطنية في عزلة عن العالم. إنما في المقابل، على العالم بدوره التكاتف لتهيئة الظروف المناسبة التي تكفل لكل الأطراف الاستفادة الحقيقية من الاندماج في الاقتصاد العالمى.
فلا شك أن الحوار في عالم اليوم حول سبل تحقيق التنمية المستدامة، خاصة ونحن بصدد تقييم استحقاق الأهداف الإنمائية للألفية، وصياغة أهداف جديدة للتنمية لما بعد 2015، وكذلك وضع أسس جديدة لمواجهة تحديات تغير المناخ، لابد أن يتطرق إلى المعطيات الدولية التي نعمل في إطارها. فرغم أن العولمة قد حققت مكاسب للكثيرين، إلا أنها تثير أيضاً مشاغل عديدة جراء تأثيراتها على النسبة الكبرى من سكان العالم الذين لا يتمتعون بحماية اجتماعية، وخاصة في القارة الأفريقية، فضلاً عن الفجوة الكبيرة والمتزايدة بين الدول المتقدمة والدول النامية، خاصة فيما يتعلق بزيادة معدلات الفقر والفجوة التكنولوجية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة في الدول النامية.
فى ذات الوقت، فإن مصر الجديدة على وعى كامل بأنه بقدر حاجتها للانفتاح على العالم لتحقيق طموحات شعبها، فإنها تعى أيضاً حاجة محيطها المباشر العربى والإفريقى والأوسع دولياً إلى إسهامها لتدعيم الاستقرار وإلى التعامل مع التحديات التى تواجهنا جميعاً. إذ طالما كان دور مصر إيجابياً، قائماً على مبادئ راسخة، تتمثل فى ميثاق الأمم المتحدة والقانون والشرعية الدولية. ولسوف تظل مصر ساعية لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى على أساس حل الدولتين، الذى يكفل حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة، بما فى ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، باعتباره السبيل الوحيد لكى تحيا كل شعوب المنطقة بما فيها الشعب الإسرائيلى فى أمن وسلام.
كما سنواصل السعى لحماية شعوب سوريا وليبيا والعراق واليمن من الدمار، واستمرار إزهاق أرواح الأبرياء، من خلال حلول سياسية تضمن سلامة ووحدة أراضى تلك الدول، وتحترم إرادة شعوبها العريقة، والتى تشكل مكوناً لا غنى عنه فى منظومة الأمن القومى العربى التى تمثل حلقة هامة فى تحقيق الاستقرار والسلام فى العالم. كما نستمر فى الإسهام بكل قوة فى قضايا القارة الأفريقية ونعمل على إطلاق قدراتها التنموية انطلاقاً من وحدة الانتماء والمصير.
كانت تلك هى ملامح السبيل الذى تنتهجه مصر بالعمل الدؤوب وبالفكر المستنير، تقودنا إرادة ثابتة ورغبة صادقة وإيمان حقيقى، تنبع كلها من إدراكنا للمسئولية التاريخية التى نحملها ولموقعنا الفريد ولدورنا الرائد فى إقليمنا وفى ما وراءه، ومن وعينا بضرورة التعاون الدولى مع تعدد التحديات وتشابكها، فى ظل انكماش أطراف عالمنا وتقاربها كلما ازداد رصيده من المعرفة والإبداع العلمى.
وسنمضى على ذلك السبيل من أجل التغلب على الصعاب والارتقاء إلى مستوى التحديات التى نواجهها، ولترسيخ الثقة فى قوة اقتصادنا وسلامة السياسات الحاكمة له، ولتحقيق الاستدامة والإنتاجية، بما يكفل عوائد متميزة للتنمية، تتجاوب مع تطلعات المصريين، وتفى بحقهم الأصيل فى حياة كريمة ومنتجة. وإننى على يقين من أن جسور الثقة التى سوف نشيدها سوياً ستسهم فى تحقيق آمالنا فى حاضر أفضل ومستقبل أكثر رخاءً وازدهاراً لمصر ولكم جميعاً.