التوقيت الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024
التوقيت 02:48 م , بتوقيت القاهرة

الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا.. "للخلف در"

بعد يومين فقط من إعلان وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، أنه يعتزم زيارة فرنسا للقاء نظيره، لوران فابيوس، في محاولة لحل الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية مساء أمس، الأربعاء، إرجاء الزيارة، التي كانت مقررة الجمعة.


وفيما قال الناطق باسم الخارجية الفرنسية، رومان نادال، "نعمل مع السلطات المغربية لتحديد موعد جديد للزيارة"، موضحا أن وزير الخارجية المغربي "موضع ترحيب في فرنسا"، أرجع موقع "اليوم 24" المغربي المستقل إلغاء الزيارة "إلى عدم إحراز أي تقدم في المشاورات السابقة لها تشير إلى إمكانية تجاوز الخلافات القائمة بين البلدين، خاصة ما يتعلق بقضية استدعاء مسؤولين أمنيين مغاربة من قبل القضاء الفرنسي"، لتعود جهود حل الأزمة بين البلدين إلى نقطة الصفر.


عام من الفتور


عام كامل من الفتور شهدته العلاقة بين الرباط وباريس، دون مؤشرات على انفراج قريب، لتدخل علاقاتهما في حالة جمود، عكسها التعطيل الكامل لاتفاقيات التعاون القضائي، والحفاظ على الحد الأدنى من الحوار الدبلوماسي، في أزمة غير مسبوقة في تاريخ البلدين، اللذين يرتبطان بعلاقات تقليدية قوية.



بداية الأزمة


وتعود جذور الأزمة بين باريس والرباط إلى 20 فبراير/ شباط الماضي، حينما حاولت الشرطة الفرنسية استدعاء مدير المخابرات المغربية الداخلية، عبداللطيف الحموشي، من مقر إقامة السفير المغربي في باريس، خلال زيارة رسمية برفقة وزير الداخلية، للإدلاء بإفادته أمام القضاء حول شكوى تتهمه بالتعذيب، من طرف ملاكم مغربي مقيم في فرنسا.


وأثار هذا الأمر حفيظة السلطات المغربية التي اعتبرته "خارجا عن القواعد الدبلوماسية المعمول بها".


واقعة سابقة


وقد سبق لوزارة الخارجية الفرنسية نفسها أن أساءت إلى المغرب عندما وضعته في خانة الدول التي يجب على الفرنسيين الحذر عند زيارتها لأنها مهددة أمنيا، وهو الأمر الذي أضر بقطاع السياحة هناك، حيث ألغى العديد من السياح حجوزاتهم نحو المغرب، قبل أن يعتذر فابيوس شخصيا عن هذا الخطأ "غير المقصود".


تصاعد التوتر


وتصاعدت حدة التوتر بين البلدين أكثر بتقديم شكاوى جديدة ضد مسؤولين مغاربة أمام القضاء الفرنسي، إضافة إلى سخرية مسؤول دبلوماسي فرنسي من المغرب حول قضية الصحراء.


ورغم الاتصال الهاتفي بين العاهل المغربي، الملك محمد السادس، والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في 24 فبراير، الذي تطرقا فيه "إلى الوضع الراهن للعلاقات المغربية - الفرنسية"، واتفقا حسب بلاغٍ للقصر الملكي المغربي، "على مواصلة الإتصالات خلال الأيام المقبلة على مستوى الحكومتين والعمل وفق روح العلاقات المتـسمة بطابَع التميـز التي تجمَع البلدين"، فإن الأمور سرعان ما تدهـورت.


وقررت وزارة العدل والحريات المغربية، في بيان أصدرته في 26 فبراير، تعليق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين المغرب وفرنسا، " من أجل تقييم جدواها وتحيينها بما يتيح تدارك الإخلالات التي تشوبها".


كما أعلنت الوزارة استدعاء قاضي الارتباط المغربي في فرنسا في انتظار حلول "تضمن الإحترام المتبادل التام للاتفاقيات الثنائية".


محاولة فاشلة


وفيما تعهد الرئيس الفرنسي، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بـ "التغلب على كل الصعوبات"، في محاولة لرأب الصدع بين البلدين، اتهم وزير الخارجية المغربية - في اجتماع مع برلمانين مغاربة - فرنسا بالوقوف وراء الإساءة إلى الرباط، بسبب دبلوماسيتها في أفريقيا، مؤكدا بذلك مزيدا من تدهور العلاقات.


تصعيد مغربي

ونقلت صحيفة "ليكونوميست" الصادرة بالفرنسية، عن الوزيرة المغربية المنتدبة في الشؤون الخارجية والتعاون، مباركة بوعيدة، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قولها إن "الكرة الآن في ملعب الفرنسيين.. نحن لا يمكننا استئناف التعاون الأمني بين البلدين ما دامت السلطات المغربية لا تحظى بالحماية" في فرنسا.


وفي مقابلة أجراها مع مجلة "حون أفريك"، في 9 يناير/ كانون الأول الجاري، قال صلاح الدين مزوار إن الثقة بين الطرفين تعرضت لـ"الاهتزاز"، وعبر عن أسفه لغياب "الإرادة السياسية" لدى باريس لإعادة العلاقة إلى مسارها الصحيح، موضحا أن "وقت الوصاية الفرنسية على المغرب قد ولى"، كما وجه الانتقاد لدور باريس في منطقة الساحل والصحراء.


انفراجة جديدة


وبعد أقل من أسبوع على زيارة التعزية التي قام بها وزير الخارجية المغربي إلى باريس، عقب الهجمات الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية، أعلن لوران فابيوس، منتصف الشهر الجاري، نيته زيارة المغرب خلال الأيام القادمة، حيث دفعت الهجمات العديد من المسؤولين الفرنسيين إلى انتقاد الرئيس الفرنسي لكونه لم يجد حلا للأزمة التي عمرت لأشهر بين باريس والرباط، خصوصا وأن المغرب كان شريكا مهما لفرنسا في مجال مكافحة الإرهاب.



وبدوره، أعلن مزوار، الإثنين الماضي، أنه يعتزم زيارة فرنسا للقاء نظيره، لوران فابيوس، "للوقوف على مختلف أوجه تعاوننا الثنائي، وذلك في السياق الخاص والأليم الذي تجتازه فرنسا"، موضحا أن الرباط تريد "تجاوز العوائق التي يمكن أن تعرقل التعاون التام بين البلدين، بشكل نهائي".


للخلف در


غير أن موقع "اليوم 24" المغربي اعتبر أن إلغاء زيارة وزير الخارجية المغربي لباريس "راجع بالدرجة الأولى إلى عدم إحراز أي تقدم في المشاورات السابقة لها تشير إلى إمكانية تجاوز الخلافات القائمة بين البلدين".


واستنادا إلى مصادر لم يحددها، ذكر الموقع المغربي أن "هناك انقساما داخل الحكومة الفرنسية بشأن طريقة تدبير الأزمة مع المغرب، بين تيار يدعو إلى اعتماد الليونة، وآخر يرفض تقديم أي تنازلات للمغرب، خاصة بعد موقفه من المشاركة في مسيرة مناهضة الإرهاب التي نظمت الأحد ما قبل الماضي".



 وأضاف أن "التيار الأخير انتصر واستطاع فرض تصوره الذي تمت ترجمته إلى إشارات وجهت للرباط مفادها أنه لا تنازل، وهو ما دفع المغرب إلى الرد بإلغاء زيارة مزوار على بعد يومين من موعدها المحدد" الجمعة.


ونقل "اليوم 24" عن "مراقبين" لم يذكر أسماءهم، أن باريس "مستمرة في "تعنتها" باستضافة قناة فرانس 24، أول أمس، الثلاثاء، الملاكم المغربي، زكريا مومني، صاحب الشكاية ضد مدير المخابرات المغربية، عبد اللطيف الحموشي، والتي أججت الأزمة بين الرباط وباريس".