البرلمان القادم وتضارب المصالح
في خضم الحديث عن الائتلافات الانتخابية والقائمة الموحدة ننسى الحديث عن قضايا أخرى أكثر أهمية بالنسبة للبرلمان القادم. أحد هذه القضايا تتعلق بعدم وجود إطار قانوني مفصل يعالج التداخل والتضارب بين المصالح الخاصة والعامة بالنسبة لأعضاء البرلمان الجديد.
العمل البرلماني هو مهنة مثل مهن أخرى يتطلب القيام بها مراعاة معايير وأخلاقيات معينة، ومن المهم أن يكون هناك إطار ينظم سلوكيات ممارسة هذه المهنة، يستطيع أعضاء البرلمان الاسترشاد به، والرجوع إليه أثناء مُمارستهم لعملهم البرلماني. بل أن هذا الإطار يُمثل أيضاً أحد أدوات حماية هؤلاء الأعضاء من أية اتهامات مُرسلة قد تُوجه لهم.
وقد يكون من المُفيد التعرف على التجارب الدولية في هذا الصدد، فالموضوع ليس بالجديد، وقامت العديد من دول العالم بوضع قواعد واضحة لتنظيم سلوكيات أعضاء البرلمان وأخلاقيات المهنة التشريعية، من خلال مدونة للسلوك أو ميثاق شرف لأعضاء البرلمان، قد يأخذ صورة تشريع قانوني أو يكون جزءا من اللائحة الداخلية للبرلمان.
وعادة ما تتضمن هذه القوانين أو اللوائح قواعد مفصلة لتنظيم سلوك عضو البرلمان أثناء قيامه بمهمته التشريعية سواء ما يتعلق بالقضايا المرتبطة بتضارب المصالح أو غير ذلك من السلوكيات.
فعلى سبيل المثال، بالنسبة لقضية تضارب المصالح، فإن التجارب الدولية تستند بشكل أساسي على مبدأ الإفصاح، بمعنى قيام عضو البرلمان بالإفصاح والتصريح عن أية مصلحة مادية مباشرة أو غير مباشرة له في القضايا المطروحة أمام البرلمان، بل وتمنع بعض الدول العضو من المشاركة في المناقشة والتصويت على أية قضية قد يكون له فيها مصلحة مادية.
ويرتبط بهذا الأمر مدى السماح لعضو البرلمان بممارسة مهنة أخرى أو عمل مقابل أجر خارج الإطار البرلماني، ففي حين تشترط بعض الدول التفرغ البرلماني الكامل مثل الولايات المتحدة، وتضع ضوابط على أي عائد مادي قد يحصل عليه العضو نتيجة القيام بأي أنشطة مثل إلقاء محاضرات، وبحيث يتجه هذا العائد إلى جمعيات خيرية وليس إلى حساب النائب.
فإن دولا أخرى مثل المملكة المتحدة تسمح بممارسة أنشطة خاصة تُدر دخلا على العضو أثناء قيامه بعمله البرلماني، ولكنّها تضع ضوابط كثيرة على هذا الأمر. وتشترط الإفصاح عن حجم الدخل الخاص الذي يحصل عليه العضو ومصدره، ولكن معظم دول العالم تمنع أعضاء البرلمان من تولي مناصب في مؤسسات عامة لها ارتباط بالحكومة أو بشركة تملكها الدولة أو مؤسسات خاصة تتعامل مع البرلمان بشكل مكثف أو الشركات التي تتلقى دعما من الدولة.
ويرتبط بهذا الأمر أيضاً اشتراط إفصاح عضو البرلمان وزوجته وأولاده القصر عن ممتلكاتهم (أصول – عقارات – أسهم... ألخ)، وتأخذ بعض الدول بأسلوب أن يتم ذلك في شكل تقرير مفصل يقدم كل عام (إيطاليا، اليابان، المكسيك)، في حين تشترط نماذج أخرى أن يقوم العضو بالإفصاح عن ممتلكاته عند بداية توليه المنصب (بولندا)، أو عند بداية كل دورة تشريعية (ألمانيا)، وأن يسجل بعد ذلك أي تغيير يطرأ على ذلك خلال فترة محددة من حدوث هذا التغيير.
كما تقوم الدول المختلفة بوضع قواعد لحصول أعضاء البرلمان على هدايا من آخرين وتنظيم سفرهم للخارج، حيث تمنع معظم التجارب الدولية حصول النواب على هدايا من خارج أفراد العائلة وخاصة إذا تجاوزت قيمتها مبلغًا معينًا، وضرورة الإفصاح عن هذه الهدايا وقيمتها المالية في التقرير المالي للعضو.
ويرتبط بهذه المنظومة إنشاء آلية لمتابعة تطبيقها. وتأخذ الدول في هذا الصدد بعدة نماذج، فهناك دول (مثل الهند) تعتمد على إنشاء لجنة مستقلة خارج البرلمان تتولى المتابعة والرقابة والتحقيق فى الاتهامات. في حين تتبنى دول أخرى نموذج إنشاء لجنة برلمانية تتولى هذا المهام. ولا يقتصر دور هذه اللجان على المتابعة والرقابة، ولكن يلجأ إليها الأعضاء طلبا للتفسير والمشورة والإرشاد بالنسبة لقواعد السلوك البرلماني المختلفة.
وقد أخذت التجربة المصرية ببعض ملامح التجارب الدولية السابقة ووَضَعَ قانون مجلس الشعب السابق والقانون الحالي لمجلس النواب عددًا من القواعد لتنظيم سلوكيات الأعضاء، ولكن من الواضح أن بعض هذه القواعد لا يتم الالتزام بها، أو أدخل عليها العديد من الاستثناءات التي أخرجتها عن هدفها الأساسي، أو أنها غير مفصلة بما فيه الكفاية مما يعطي فرصة كبيرة للاجتهاد الشخصي، وكذلك عدم وجود آلية واضحة للمتابعة والتنفيذ. وهو ما يتطلب مراجعة التجربة المصرية على ضوء الخبرات الدولية المختلفة، وبما يضمن عدم تكرار أخطاء الماضي، ويحقق المزيد من النزاهة والشفافية في العمل البرلماني.