التطفل المقدس.. وعباد الله "الرزلين"
دائما يقترب منك وعلى شفتيه نصف ابتسامة يشُع منها الصفار ثم يكون السؤال (أنت اسمك إيه؟)، وبعدها جملة ثابتة محفوظة مكررة مملة ( طب يعني الحمد لله مسلم أهو ). من الممكن إذا كان اسمك لا يمكن الاعتماد عليه لمعرفة النتيجة أن تتواجد أسئلة بين السؤال والجملة المكررة من عينة (فلان إيه ؟) أو (فلان فلان إيه؟) لتحديد هويتك الدينية عن طريق اسم الأب أو الجد إلخ.
بعد فقرة السماجة المعهودة هذه يبدأ بتفحصك بنظرة فاحصة ثم يبدأ في اختبار سخافته عليكَ أو عليكِ.
لو كنتِ أنثى فسيكون نصيبكِ مريعًا فمحدثكِ أو محدثتكِ يبدأ من "إنتي مش لابسة حجاب ليه؟" أو "لابسة قصير ليه؟" وإذا كنتِ تلبسينه يبدأ من "إنتي لابسة محزق ليه أو إنتي لابسة بنطلون ليه؟" وقد يصل إلى الألوان التي ترتديها.
طبعا لن تكون مشكلتكِ الوحيدة هي ملابسكِ فلو ضحكتِ بصوتٍ عالٍ فستأتي بابتسامتها السمجة لتُخبرك أن صوتك عورة، ولا يجب أن ترفعي صوتك في الشارع، وإذا جلستِ مع مجموعة مختلطة ستأتي لتُخبرك أنه لا صداقة بين الشاب والفتاة، أما إذا كنتِ تُحبين شخصا فستأتي لتحدثك عن متخذات الأخدان إلخ.
ولو كنتَ ذكرا فسيبدأ الحديث من الحظاظة والباندانة والانسيال والسلسلة والخاتم واللبانة والشعر الطويل، وسيتمحور حول التشبه بكائن أدنى هو النساء أو التشبه بكائنات أخرى كريهة وبغيضة تشمل الكفار واليهود والنصارى والمجوس والشيعة والمبتدعة وأصحاب المظاهر الشركية والمثليين والمخنثين إلخ. الخلاصة أنك يجب أن تترك فسطاط الكفر الذي يشمل الجميع على ظهر الكوكب تقريبًا لتدخل في فسطاط الإيمان.
المهم إنك في جميع الأحوال ستواجه الشخص الطفيلي مسلحًا بأكبر قدر ممكن من الصبر وقوة الاحتمال والقدرة على التعامل مع "الرزالة"، ولكن كل ما تحدثنا عنه هو فقط عينة مخففة.
"الغلاسة" التي تُحرك هؤلاء الناس تجعلهم يفرضون أنفسهم على كل تصرف تفعله وكل قرار تتخذه: هل قررت تأجيل الإنجاب أو إنجاب طفل واحد؟ لماذا؟ الولاد عزوة وتناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم، تخيّل أنه قد حدث بالفعل أن تذهب أسرة إلى طبيب متدين لتأجيل الإنجاب فيرفض بشدة قائلا: إنه يجب أن ينجبا أولاً حتى يساعدهما بعدها على (التنظيم وليس التحديد)، هل قررت السفر للسياحة لماذا لم تذهب للحج أو العمرة إلخ.
هل تسمع الأغاني؟ ألا تعلم أنها حرام؟ هل تقرأ الكتب؟ فهلا تفقّهت في الدين أولاً بدلاً من علمٍ لا ينفع؟
هذا الشق من الرخامة يُطلق عليه اسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعتبره الكثيرون ركنا أساسيا في ممارساتهم اليومية لدرجة أن البعض ينصحك بما لا يطبقه، عملاً بنظرية مفادها أن كسب ثوابٍ بالرخامة يعادل ويوازن زيادة الذنوب بالأفعال. يتستر تحت منطق طلب مصلحتك أنت (الدين النصيحة)، وليس مهمًا هنا إن كنت تطلب النصيحة بالفعل أم لا ولا إن كانت علاقتك بالناصح تسمح له بذلك، ولا أن كان قد نصحك من قبل، فمادمت (براذر) أو أخ فلا بد من ممارسة الوصاية عليك.
الحق يُقال أننا نمارس كثير من الطباع الفضولية والمتطفلة غير المرتبطة بالقناعات الاعتقادية أو الشعبية أبسطها ذلك الظريف الذي يقرأ معك رسائل هاتفك الشخصي في المواصلات العامة، ولكن كل تلك الممارسات يمكن قهرها لأنها لا تتمسح في القداسة الدينية أما إعطاء التطفل قداسة فهو أمر يعني تحويل التطفل إلى وثن، وممارسيه إلى كهنة في محرابه.
تقوم قدرتك دائما على التعامل مع هذه الشخصيات بنجاح على تمكنك من تجاهلها وعدم إعارتها أي اهتمام ومعاملة تطفلها بتجاهل كامل، ورفع شعار النصح من غير سبب قلة أدب، أي محاولة لتفسير موقفك أو تبريره أو شرحه أو التعاطي في شؤونك الخاصة مع الآخرين على غير رغبتك سيقلب الموقف لمصلحة المتطفلين.
لا يفل الغلاسة إلا التباتة ، تركك حريتك الشخصية مجالاً للنقاش مع الفضوليين سيجعل سلوكهم معتادا ومتكررا، ومع الوقت ستصبح مضطراً للظهور بمظهر الانكسار والضعف أمام إلحاحهم، بينما إغلاق للباب من اللحظة الأولى يحمي سلام النفسي من انتشار أمراض الازدواجية والنفاق وحلولها من المجتمع فيك عبر إرهاب التطفل.
إن مجتمعا يقوم على احترام الحريات الشخصية لا يُمكن أن يكون أفراده فضوليين ومتطفلين بدرجة كبيرة، ولا يُمكن طبعا أن تكون الرزالة مقدسة في فكرهم إلى هذا الحد.
فليسقط التطفل المقدس.. وليذهب عباد الله الرزلين إلى الجحيم.