لماذا تثير رواتب الدستورية أزمة بين هيئات القضاء؟
مطالبات قضاة ا?ستئناف بمساوتهم ماليا بأعضاء المحكمة الدستورية العليا لم تكن الاحتجاجات الأولى من نوعها، فقد سبقهم قضاة مجلس الدولة الذين حصلوا على أحكام نهائية بإلزام الحكومة بمساواتهم بمستشاري الدستورية، إ? أن المفاجأة أن تلك الأحكام لم تنفذ منذ صدورها في 22 سبتمبر 2012، بسبب عدم إفصاح "الدستورية" عن مرتبات أعضاءها.
أعضاء بالنيابة الإدارية أقاموا أيضا دعاوى قضائية لمساواتهم بمستشاري مجلس الدولة والدستورية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث طالب موظفو المحاكم بدورهم بمساواتهم بموظفي الهيئتين، إ? أن الجميع عجز عن الكشف عن حقيقة مرتبات أعضاء الدستورية وموظفيها حتى الآن.
وأقام 11 من قضاة هيئة مفوضي المحكمة الدستورية دعوى، في وقت سابق، أمام المحكمة الدستورية لوقف تنفيذ حكم النقض الصادر لصالح 4 من قضاة ا?ستئناف، الذي يلزم رئيس المحكمة المستشار عدلي منصور بتقديم بيان عما يتقاضاه وبقية أعضاء المحكمة من راتب أساسي وبد?ت وحوافز، معتبرين الحكم انتهاكا للدستور، وحددت المحكمة جلسة 27 من يناير الحالي لنظر الدعوى.
المتحدث الرسمي للدستورية
المتحدث الرسمي للمحكمة الدستورية العليا، المستشار محمد المنشاوي، قال لـ"دوت مصر": "ليس لدينا أسرار بخصوص مرتباتنا، وقدمنا كشوفنا للجهاز المركزي للمحاسبات، ولا حقيقة لوجود خلاف بيننا وبين الهيئات القضائية الأخرى، إ? أن المحكمة الدستورية لها وضعها الخاص المنصوص عليه بالدستور، وهي ليست جهة كأي جهة قضائبة أخرى".
وأشار المنشاوي إلى أن الحديث عن رواتب الدستورية ليس بجديد فقد أثاره وزير الدولة للشئون القانونية الأسبق، محمد محسوب، حينما أعلن في 2012 عن أن مستشار المحكمة الدستورية يتقاضى 170 ألف جنيه، وهو ما نفته المحكمة حينها.
واستطرد "جميعنا زملاء في محراب العدالة، حتى وإن اختلفت الجهات القضائية التي ننتمي إليها، وحرصنا الأول هو توفير العدل لمن يقيم على أرض مصر، وقد تختلف الرؤية بيننا وبين الزملاء في الجهات الأخرى، لكن هذا لا يفسد للود قضية، فنحن لا نمتنع عن تنفيذ حكم النقض، ولكن نبحثه حتى نتبين مدى وجود حكم في موقعه أم ?، مع بحث اتفاق هذا الحكم مع ما نص عليه الدستور والقانون".
الدستور
دستور 2014 خصص 5 مواد للحديث عن اختصاصات الدستورية، ووفقا للمادة 191 فالمحكمة الدستورية جهة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، مقرها مدينة القاهرة، ويجوز في حالة الضرورة انعقادها في أي مكان آخر داخل البلاد بموافقة الجمعية العامة للمحكمة، ويكون لها موازنة مستقلة يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقما واحدا، وتقوم الجمعية العامة للمحكمة على شؤونها، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المتعلقة بشئون المحكمة.
وتتولى المحكمة وفقا للمادة 192 دون غيرها الرقابة القضائية على دستوية القوانين واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية، والفصل في المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها، وفي تنازع ا?ختصاص بين جهات القضاء، والهيئات ذات ا?ختصاص القضائي، والفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر من جهة أخرى منها، إضافة إلى المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها، والقرارات الصادرة منها.
الحد الأقصى للأجور
قال رئيس المحكمة الدستورية، المستشار عدلي منصور، في بيان صحفي نهاية العام الماضي، إن صافي الدخل الذي يتقاضاه رئيس المحكمة الدستورية ونوابه، ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بالمحكمة، والعاملون بالجهاز الإدارى بها، لن يتجاوز مبلغ 42 ألف جنيه شهريا، سواء كان ما يتقاضاه من جهة عمله الأصلى أو من أي جهة أخرى بصفة مرتب أو أجر أو مكافأة لأى سبب كان، أو حافز أو أجر إضافى أو جهود غير عادية، أو بدل مقابل حضور جلسات الجمعية العامة للمحكمة، وهو المبلغ المحدد بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 63 لسنة 2014، والخاص بالحد الأقصى للأجور.
حكم مجلس الدولة
ورغم صدور حكم لصالح قضاة مجلس الدولة بمساواتهم بأعضاء الدستورية في الرواتب والمزايا المالية منذ أكثر من عامين, إ? أنه لم ينفَّذ حتى الآن، وأصبح "محله سر"، ووفقا للدستور فإن عدم تنفيذ الأحكام القضائبة أو تعطيلها جريمة يعاقب عليها الدستور والقانون.
وأصدرت الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا، حكمها بمساواة قضاة مجلس الدولة وإعطائهم جميع المزايا المالية والعينية التي يحصل عليها نظراؤهم من مستشاري المحكمة الدستورية العليا، وصرف الفروق بينهم بأثر رجعي لمدة 5، وذلك في الطعن المقام من 40 مستشارا بالمجلس، من بينهم مستشار رئيس الوزراء، السيد الطحان، ورئيس قسم التشريع، المستشار مجدي العجاتي، ورئيس محاكم القضاء الإداري، المستشار يحيي دكروري، والمستشارين عبدالقادر قنديل وحسن البرعي وأحمد الشاذلي وأحمد عبود وعبدالحليم القاضي، وألزمت المحكمة كل من وزير العدل ووزير المالية ورئيس مجلس الدولة، بتنفيذ الحكم طبقا لقانون المحكمة الدستوريه العليا، الذي أكد سريان الضمانات والحقوق المقررة لقضاة مجلس الدولة ومحكمة النقض، علي قضاة المحكمة الدستورية العليا، وهو الأمر الذي يقتضي المساواة المالية بين جميع قضاة الهيئات الثلاث، مجلس الدولة والنقض والدستورية العليا.
وأشارت المحكمة إلى أن الدستور والقانون أكدا مبدأ المساواة في تنظيم المعاملة المالية، لكافة أعضاء الهيئات القضائية في كافة المزايا والحقوق والواجبات، الأمر الذي لا يجوز معه أن تنفرد هيئة قضائية، أيا كان اختصاصها، بمزايا مالية عينية عن أي هيئة قضائية أخرى.
وكشفت مصادر قضائية لـ"دوت مصر" عن أن جميع الهيئات القضائية على علم أن قضاة الدستورية يحصلون على مزايا مادية أعلى، وأن الفروق المادية بين الجهات القضائية والدستورية كبيرة، وأن ذلك دفع عدد من قضاة مجلس الدولة لإقامة تلك الدعوى, إ? أن الحكم لم ينفذ حتى الآن بسبب عدم إفصاح الدستورية عن حقيقة مرتبات أعضائها.
وقالت المصادر إنه حينما أنشئت المحكمة الدستورية كانت جلساتها تنعقد في دار القضاء العالي، بعدها خصصت الحكومة قطعة أرض لإنشاء مبنى لها إبان رئاسة الدكتور عوض المر للمحكمة، وخصصت الحكومة مبلغا لإتمام إنشائها تبقى منه 20 مليون جنيه، واتفق "المر" مع وزارة المالية حينها على إيداع المبلغ في صندوق مخصص لصيانة المبنى وللإنفاق عليه، وقررت المحكمة منذ فترة توزيع عائد الصندوق على أعضاءها، وبالتالي جاوزت جملة ما يتحصلون عليه من رواتب وبدلات وأجور باقي القضاة.
النيابة الإدارية
كان لأعضاء النيابة الإدارية نصيب أيضا من الغضب بسبب الفروق المادية بينهم وبين قضاة الدستورية وقضاة مجلس الدولة، وفي هذا السياق تسائل للمحامي وائل حمدي، وهو وكيل لعدد من أعضاء النيابة، عن الأساس الذي يُعتمد عليه في حدوث تلك الفروق المادية التي وصفها بـ"الرهيبة" بين القضاة، رغم أن القانون نص على معاملتهم ماليا بنفس الدرجة، حيث أن جميعهم حاصلون على نفس المؤهل والدرجات العلمية.
ويشير "حمدي" إلى أن المحكمة الإدارية العليا قررت تأجيل دعوى أعضاء النيابة لمساواتهم ماليا مع الهيئات الأخرى لجلسة 4 إبريل المقبل لرد الجهة الإدارية، وأوضح أن هناك 1040 عضوا بالنيابة الإدارية مشاركون في الدعوى، لافتا إلى أن قضاة الدستورية يحصلون على مزايا مالية عالية يليهم قضاة مجلس الدولة، ثم محكمة النقض، ومحاكم ا?ستئناف، ثم النيابة الإدارية، وقضايا الدولة.
موظفو المحاكم العادية
موظفو المحاكم العادية حظهم أفضل، بحسب وكيل المدعين المحامي سمير صبري، حيث بدأ تنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية بمساواتهم ماديا مع موظفي المحكمة الدستورية، ونوه "صبري" إلى أنه أقام الدعاوي وكيلا عن 12 ألف موظف.
وأكدت حيثيات المحكمة أن الدستور المصري أوجب المساواة بين العاملين فى الحقوق والواجبات بما يترتب عليه أن يكون معيار التقدير للأجر موحدا، فلا يتعدد معيار هذا التقدير، وإذا كان العمل واحدا، فإن الأجر المقرر ينبغى أن يكون مناسبا، وحيث إن العاملين فى القضاء العادى يتماثلون مع العاملين بالمحكمة الدستورية العليا باعتبارهم جميعا من العاملين داخل نطاق المرفق القضائى، ومن ثم فهم متماثلون فى المراكز القانونية والمرتبات نظرا لطبيعة عملهم الواحد.