التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 11:20 م , بتوقيت القاهرة

السيسي في الكاتدرائية.. حقائق وآراء

هناك فرقٌ كبير بين الحقيقة والرأي.. أن الرئيس عبد الفتاح السيسي زار الكاتدرائية ودخل الكنيسة وقت صلاة قداس عيد الميلاد المجيد وهنأ المسيحيين المصريين والبابا تواضروس بعيد الميلاد المجيد هذه حقيقة رأيناها على شاشات القنوات المختلفة.
 أمّا الرأي فهو ما نختلف حوله أو نتفق.. فقد يرى أحدنا أن رد فعل المسيحيين كان حقيقيًا نابعًا من القلوب وكاشفًا عن فرحتهم الصادقة بتهنئة الرئيس لا ببرقية ولا بكلمة مسجلة بل بالحضور شخصيا والمرور وسط المصلين لتهنئتهم، وقد يراه الآخر انفعالا كبيرا أنسى المصلين خشوع الصلاة والهدوء الواجب في الكنيسة والحفاظ على وقار العبادة.. ولكل رأي مبرراته ومنطقه.
أمّا عن الحقائق المرتبطة بالزيارة فأولها وبالقطع أنه أول رئيس مصري يدخل الكنيسة، كما ذكرنا من قبل، ويهنئ المسيحيين بعيدهم بطريقة مباشرة وينظر إليهم ويتحدث معهم مداعبًا وجادًا ويقول لهم: كل سنة وأنتم طيبين.. والملاحظة هنا أن رؤساء سابقين قاموا بإرسال التهاني عبر البرقيات أو عبر الذهاب إلى الكاتدرائية ليس إلى الكنيسة بل إلى المقر البابوي، وقدموا التهاني لصاحب القداسة غِبْطة بابا الأقباط.. أمّا الرئيس السيسي فقد هنأ الشعب المصري القبطي والبابا أيضا. هل هناك إشارة ما هنا؟ 
الحقيقة الثانية هي – حسب قول الرئيس – أنه يهدف إلى أن يُسطر بزيارته هذه رسالة إلى العالم بأن مصر سوف تصدر الحضارة كما كانت تعلمها في الماضي للعالم أجمع.. والملاحظ أنه بزيارته يرد بالعمل لا بالقول على دعاة عدم تهنئة المسيحيين بأعيادهم.. ويرى أن الحضارة التي يجب أن تسطرها مصر تبدأ من رسالة التعايش وقبول الآخر، لا بل محبة الآخر، كما قال، وأنه كرئيس وكقدوة قد بدأ بنفسه ليتعلم منه من يريد أن يكون متحضرا. وأن الحضارة أيضا تبدأ من عدم التمييز وأننا كلنا "مصريون" وبس. هل هناك إشارة أخرى هنا أيضا؟
الحقيقة الثالثة أنه اعتذر لمقاطعة الصلاة مرتين "أرجو ماكونش قاطعت الصلاة عليكم" وأيضا أنه يخشى أن "يزعل" البابا تواضروس منه في إحساس معلن بقدسية الصلاة لأصحابها. وأعلن للمرة الثالثة ضرورة الاختصار لاستكمال الصلاة "مش هضيع وقت أكتر من كده" في وعي واضح بأهمية استعادة الهدوء وروح الخشوع. والملاحظة هنا أنه كإنسان مصري تربى مثلنا جميعا في هذه البلد التي يفهم أهلها جيدا قدسية العقائد والأديان ومدى أهمية كل دين لأصحابه، قد وعى جيدا هذا الأمر.
 أما الآراء فقد اختلفت ولا غضاضة.. يرى البعض أن رجال الكاتدرائية والبابا لم يعلموا بالزيارة المرتقبة وفوجئوا بدخول الرئيس للكنيسة.. ويرى آخرون أن وجود الحرس الجمهوري منذ السادسة مساء وتوليه التأمين معناه أن الزيارة كانت معلومة، ولو قبلها بعدة ساعات فقط.
يرى البعض أن رد فعل المصلين المسيحيين كان عظيما وحقيقيًا وتلقائيًا، لأن دول أكيد أكيد ماكانوش عارفين أن الريس قادم، فعبروا عما بداخلهم من فرحة وامتنان لرئيس أعلن أنه يعلم بوجود المسيحيين وبأن لهم أعيادا وأقدم على تهنئتهم بعد رؤساء عدة لم يقم واحد منهم بها اللهم إلا المستشار عدلي منصور الذي هنأ البابا في المقر البابوي. 
آخرون يرون أن قدسية الكنيسة لابد من الحفاظ عليها مهما كان قدر الزائر ومحبته في قلوب الناس.. وأن قطع الصلاة لا يجوز وإن كان أصحاب الرأي الأول قد ساقوا من الأسانيد التاريخية أن الصلوات كانت تقف في هذا الجزء من القداس، وربما لمعرفة رجال الكنيسة بزيارة الرئيس تم ترتيب الألحان الطويلة التي كانت تقال وقت دخول الرئيس بحيث لا تقاطع الزيارة والكلمة قراءة الإنجيل وما يليه من صلوات.
أيضا رأى كثيرون أن مفاجأة وفرحة الزيارة تسببت في كسر بروتوكولات عديدة لم يفطن لها الذين رحبوا بالرئيس ولكن يبقى الاستثناء، وهذا رأيي، للبابا تواضروس الذي كان هادئا ووقورا وعبّر عن فرحته الكبيرة بالزيارة دون خرق لأي بروتوكول كنسي أو رئاسي.. نعم ستختلف الآراء، ولكن الحقائق وحدها هي التي سيذكرها التاريخ الصحيح.