حرية الفكر والكفر وأنا وأنت
البرامج التليفزيونية صارت موضة الوعظ الديني، تتجمع الأسرة أمامها، أو تترك أطفالها مطمئنة ليشاهدوها.
حلو؟ حلو.
يقول الشيخ الوسطي في برنامجه الواسع الانتشار عربيا إن المسيحيين كفار، وعقيدتهم محرفة، وإن اليهود كان منهم القردة والخنازير.
حلو؟ حلو.
لا يستطيع الشيخ الوسطي، أو المتشدد، أن يقول غير ذلك، ولا يستطيع أحد أن يطالبه بأن يتجنب قول ذلك. لأن القرآن نفسه يقول ذلك. "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"، "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم"، "فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين".
حلو؟
1- لا مش حلو. لأن ذلك مؤذٍ جدا للمسيحيين. وهذا مؤذ جدا لليهود.
2- أيوه حلو. لأن القرآن قال كده. وكلام القرآن مقدس.
في خطب الجمعة، التي يسمعها كل المصريين، لأن ميكروفونات المسجد تدخل كل بيت، يتكرر نفس الكلام وأكثر. بأصوات أكثر غضبا من صوت الشيخ الوسطي. وبجمل أكثر حدة من جمل الشيخ الوسطي. ثم تختتم الصلوات بالدعاء على النصارى واليهود بأن يهلكهم الله.
عايز أوصل لإيه؟
إلى هذه النقطة البسيطة: المسلمون يطالبون العالم بـ"احترام مقدسات" الآخرين. فهل يحترم المسلمون مقدسات الآخرين؟ هل يحمي مجتمعنا المسلم مقدسات الآخرين؟
المسلمون يقولون إن الحرية متاحة ما دامت لا تتعرض للمقدسات.
بذمتكم إنتو مصدقين نفسكم؟! هل نضع لأنفسنا هذا الحد قبل أن نطالب به غيرنا؟
بيت القصيد أن المجتمعات الإسلامية صارت تتحدث دون أن تفكر فيما تقول. وأنا هنا أتحدث عن المجتمعات المسلمة العادية، لا أتحدث عن الإرهابيين، فهؤلاء موضوع آخر تماما. أتحدث عن المسلمين الوسطيين المعتدلين، الذين يبررون ما يحدث من إرهاب بتبريرات مثل: "لكن الحرية ليها حدود، ودول بيجرحوا عقيدتنا"، أتحدث عن مذيعين في التليفزيونات المصرية يقولون هذا الكلام.
كل من تعتقد معتقدا تضعه في مكانة سامية، من حقها، وتتأذى إن سخر أحد منه، من حقها. لكن ما ليس مفهوما أن تطالب الآخرين باحترام معتقدها، بينما لا تبالي هي باحترام عقائدهم.
المقصد: حين تخاطبين العالم مطالبة بمبدأ معين فاجعليه متماسكا متسقا. إما أن تكون حرية انتقاد العقائد مفتوحة للجميع، للشيخ الشعراوي ولأئمة المساجد المصريين وللمشايخ الفضائيين كما لرجال الدين المسيحي واليهودي وللفنانين والرسامين إلخ. أو يكون التصريح بانتقاد عقائد الآخرين، والتحقير منها، واتهامها بأنها كذب واختلاق، محظورا تماما. محظورا في المساجد والشاشات المصرية ومحظورا في العالم كله. وفي هذه الحالة علينا أن نبدأ بأنفسنا.
ضعي نفسك مكان المصريين المسيحيين، مثلا. أن تعيشي في بلد تكونين فيه على موعد أسبوعي مع التحقير العلني لعقيدتك، والسخرية منها، في ميكروفونات المساجد، كما على مواعيد يومية بالصدفة على القنوات التليفزيونية مع نفس الغرض.
الخيار الآخر المتبقي هو أن نفعل كما يفعل الإرهابيون، ونقول للعالم "إحنا كده لبط، هننتقد عقائدكم، في التليفزيونات والميكروفونات، لكن مش مسموح حد يقرب ناحية عقيدتنا. واللي عجبه. حد ليه شوق ف حاجة؟!".